تطلب مني أن أكون إلى جانبك، أحمل معك الحياة كذاك الإنسان الذي يحمل كفنه وهو متجه نحو فَنائه، تطلبين مني أن أرعاك في أوقات رضاك، وأن أحميك في أزمان ضياعك، تطلبين مني أن أكون أنت في لحظات فراغكـ، وأن أكون ظهرك في زمن خوفك، وأن أسير جنبا إلى جنب معك في ريعان هيبتك، وأن ألتقط منك مكعبات النحيب في ثوان معدودات وأنت تنظر إلى عيون الحيــاة.

أي جرأة هذه؟ التي تجعل الإنسان قادرا على تفهم مفردات الذاكرة ونباح الضمير، أي علاقة مرضية تستقي من سلالم العنفوان مسرّات الأوهام!

سرتُ وحيدا بين لفائف الحرائق الروحية ولم ينجدني أحد، كنتُ وحيدا طوال سنين، حتى اعتقدتُ بأن الوحدة قَدَري المحتوم، فرحتُ أتعايش مع هذه الحالة الغريبة التي تعبتُ كثيرا لأجل التأقلمِ معها، ليس هناك أيّ أمر صار مهمّا أو بقي مهمّا لدى فؤاد ضائع، لدى أفراد تاهت بين سراديب الدهر عبر مقامرة الأبدية على طاولة الأزل.

من تلك المنطقة البعيدة أريد الرضوخ لتلك الزاوية العميقة بين جنبات العلاقات الأنانية الرهيبة، صارت علاقتي بك أنانية، وصرتُ أكره الأنانية كره النور للظلام، تلك الميزة البشعة في النواة العريقة للإنسانية جعلتني أنفر من نفسي ومنكِ، جعلتني طفلا يحاول مسح خديْه من دموع بللت أرق المسموع والمصنوع معا، لا أحد يناقض طبيعته غيركـِ، لا أحد يجلد ذاته بسوط الوجود سواكـِ، يا خطيئتي الوحيدة التي لم تتعلم أبدا معنى التواجد ضمن مساحة مشتركة تحترم فيها غيرها ليحترمها غيرها بالتبادل والتجادل.

هناك! في النقطة التي يتعب فيها الوجل الإنساني أناديكـِ يا خطيئتي!

لأقول لكِ:

أعلم علمَ القراصنة، بأنني ضعيف أمامكِ؛

ومهزوز في حضرة صوتكِ، ولو من بعيد؛

لكنني أبقى دائما ذاك القوي بعزة عندما يتعلق الأمر بهجومكِ على ذات أحبتكِ، فالحب ليس شفيعا لظلمكِ لي أو علي.

أصرخ بين صرخات الحياة بأعلى الأصوات العذبة مستنجدا بكِ،

أعيد ترتيب قطع لوحات حبنا الغريق بين مسالكِ ضياعِكِ،

أشفطُ ألغازكِ كما أشفطُ شعر لحيتي الذي تشمئزين منه،

لكنني لن أكون عبدا لكِ يا خطيئتي رغم أنني لكِ أنتِ وحدكِ؛

لا تعديني بعلاقة بها غطاء الحرية،

لا تجبريني على اتباع وهمكِ،

لا تستعطفي وجداني لتزيني لي خياناتكِ؛

أنتِ الصاخبة الخائنة، التي لا تدري من أنا ولا من هي!

لا مبرر، لضيق الخاطر !!

أدعوكِ للوقوف يا خطيئتي على جحومكِ،

التمرّد ليس إقصاءً للأخر أو استغلاله،

التمرّد ليس رفضا للأناقة الروحية،

التحضر يا خطيئتي ليس جريا وراء أوهام الحضارة، والتحضر ليس لباسا يسمى بـ: الحيوانية، فرق كبير بين أن تكون حيوانا “ناطقا” وبين أن تكون متخلفا بربريا بطعم الراحة الداخلية.

أنا متخلف للغاية يا خطيئتي فاعذريني…

الزواج ليس تقييدا بل حرية،

الحياة المشتركة ليست عكننة بل رجاء وأملا،

أنا أنظر إلى الهدف السامي للوجود،

لا أرغب بالتواجد من أجل الآخرين،

بل أعشق البقاء مخفيا ومتخفيا من أجل ذاتي؛

العيش لا يعني الانكماش على بوذا الحقير، ولا الرجوع إلى نتشه الكريه،

العيش عندي يا خطيئتي هو التطلع إلى المآل،

لحظاتي الحية عندما أحضنك بعيدا عن هذا العالم الذي رماني،

بعيدا عن وساوس المجتمعات،

بعيدا عن أثقال الممنوعات،

فلا تسود سوى ممنوعاتي أنا وأنتِ.

أكون معكِ يا خطيئتي كما أنــا بلا توابل، وسأكون معكِ بلا أقنعة، رغم رفضكِ لإزالة أقنعتكِ التي أرهقت كياني، رغم الثغور التي نتجت عن طعناتكِ لي في جسدي بخنجركِ ذا ثماني رؤوس، لا أزال أعشق ابتساماتكِ البريئة، أخطاءك، وكل هالاتك المكبوتة، لكنني إنسان!

الإنسانية ليست هي الحيوانية،

والحرية بلا مسؤولية كامرأة بلا نهد،

والحب النابع عن احترام الآخر ليس مبررا لاضطهاده بسيف الخيانات وبغطاء الأخطاء،

فرق كبير بين البغي والشرف،

والمراكز التي تصلها الأنثى بمؤخرتها عندما تصبح مكبا لسوائل اللقطاء، ما هي سوى أوراق شجر زمن الخريف؛

وما أقسى خريف الروح زمن خريف العمر .. !

لا يعني أن تلك الفتاة التي تعيش مع رجل يحبها، تحمل معه هموم الحياة بلا حياة أو أنها تعانق الموت بلطف.

فرق كبير بين الفتاة التي تخلص لحبيبها، وبين الحيوان الذي يلبس ثوب الفتاة،

الأمر يرجع لكِ أنتِ،

لقد اخترت: أنا إنسان!

فمن تكونين أنتِ يا خطيئتي؟

دعيني أغني بلا حواجز، دعيني أشدو بحياة الصوت لأعبر عن أماني شريفة تدور بخلدي العريق، ككنيسة مهجورة مليئة بالدراويش أكون، لما أواجه أفكاركِ، أتخلى عن آخر محراب بحرابة التطلعات، لكنني أبقي على القواعد التي غرستها في ذاتي، أبقي على أهم روافدي المتصلة بالقيم، ففي آخر المطاف، ستجدين بأن الإنسان ما هو سوى فكرة، والفكر هو كائن حي، يتنفس، وهنا لكِ كامل الحق في الاختيار يا خطيئتي: هناك من يختار المسك ويتمسك به، وهناك من يختار تقمص دور الذبابة في الحياة، وأنتِ تعلمين جيدا بأن الذباب لا يسكن سوى النجاسات والجيف التي تؤذي البشر بروائحها الكريهة، وللأسف! خوفي كل الخوف من سقوطكِ في الاختيار الثاني، لأنكِ وكما يبدو تعتقدين بأن الجيف التي تلبس الموضة وتدعي الحضارة والتحضر، تضع العطور وتظهر القوة، ستتحول إلى ملائكة في وقت ما تحت طائلة تأثيرات بعينها.

مقالات الكاتب: مزوار محمد سعيد

من د. خالد عبد القادر

دكتور في الفقه المقارن‏ - لبنان‏