هي رحلة طويلة من المعاناة والمجاهدة ، وكنت في بداية طريق الالتزام أظن الأمر سهلا ميسورا ، ولكن من ذاق عرف ، ومن خبر طبيعة الطريق تيقن أن الأمر يحتاج إلى إعادة نظر حقيقية في وسائلها التربوية والدعوية التي تربينا عليها عقودا طويلة ، ولعلي أحاول التفكير بجدية في هذه الأمور المعقدة وخاصة بعد محنة الاعتقال الثانية بعد 3/7/2013 والاحتكاك المباشر لفترة طويلة مع أجيال متعددة ومتفاوتة في السن والخبرات ، ووجدت خللا كبيرا يحتاج إلى بذل جهود مضاعفة من العلماء والحركات الإسلامية والهيئات الدعوية في محاولة جادة لحصر مواطن الخلل ووضع المناهج الميسرة المناسبة لكل مرحلة ولكل جيل باختلاف مشاربه لتحقق الجيل المنشود المؤهل للتمكين ، وإعداد الركيزة التي ننطلق منها لإقامة الدين ، وهذا الأمر يحتاج إلى وضوح شديد وصدق بين مع النفس لنستطيع تشخيص المرض العضال الذي أصاب أمتنا ولم تسلم منه الجماعات الإسلامية – مع تقديرنا الشديد لجهود المخلصين في تقديم كل السبل لإقامة الدين ، ولكن الأمر اشتد خطره ، وزادت حدته ، وظهرت آثاره التي تؤذن بخطر داهم على مستقبل الأجيال القادمة .

فمن خلال متابعتي الدائمة ومعايشتي لأبناء الحركة الإسلامية داخل السجون ، وجدت مع الكثير من المتابعين أن الحركة الإسلامية لم تكن على القدر الثابت ولم تحسن إعداد عناصرها الإعداد التربوي والعملي والإيماني المناسب لطبيعة المرحلة ، ويتوائم مع الهدف الكبير من عمل هذه الحركات وهو التمكين ، إذ الغالبية من أبناء الحركة يفتقدون إلى الكثير من المعاني والمقومات التي تضعهم في الحالة المناسبة في مواجهة التحديات الهائلة التي تواجه الطريق إلى التمكين .

ولعل من أخطر الأمور التي أراها مؤذنة بفشل عظيم إن لم نتداركها هو التربية على احتكار الإسلام من خلال فهم الحركة التي ينتمي إليها الشباب ، وبالتالي فالصواب المطلق في ركاب جماعته والخطأ المطلق في خلاف جماعته وهذا وربي نذير شؤم ، وعنوان فشل وهزيمة .

ولعل أبرز المفاهيم والمعاني التي ينبغي أن يراعيها المربون والقادة في تربية الجيل القادم التربية على الدليل، خطأ مفهوم احتكار الإسلام ، تعظيم مفهوم الاتباع، الجندية، التربية العقدية، وكيفية احتواء المخالف، الثقة في القيادة،

وهذه أمور أراها جديرة بالدراسة والترسيخ في قلوب وعقول الناشئة، وسأحاول أن أتعرض لهذه المفاهيم وغيرها في سلسلة مقالات إن شاء الله ، مساهمة مني كباحث شرعي، وفي نفس الوقت أحد أبناء الحركة الإسلامية التي يؤرقني كثيرا ما أراه في سلوكيات بعض أفرادها محاولا إسداء النصح والخير بما تحصل لي من تجارب آملا في تحريك الماء الراكد وصولا إلى الشاطئ الميمون.

من د. إبراهيم عوض

أديب عربي ومفكِّر إسلامي مصري