نازحين من الأنبار الأمة| اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية الجيش العراقي بمنع مجموعة من عائلات النازحين من عبور نقطتيّ تفتيش في محافظة الأنبار للعودة إلى ديارهم، خلالفا لقرار الحكومة المركزية في بغداد، ووصفت التصرف بأنه “عقاب جماعي”.

وقال تقرير للمنظمة صدر مؤخرا أن العائلات أرسلت قسرًا إلى مخيم للنازحين بالأنبار بعد منعها من العودة أواخر فبراير/شباط 2018، ثم مجددا في أوائل يونيو/حزيران.

وكانت تلك العائلات قد هُجِّرت بسبب القتال ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) عام 2014، وتريد العودة الآن. لكن رغم أن المنطقة عادت إلى سيطرة الحكومة العراقية منذ فبراير/شباط 2015. لكن العائلات من عشيرة ساعدة غير قادرين على العدة بسبب اتهام أفراد منها بالانتماء إلى داعش.

قالت لما فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “صرّحت السلطات في بغداد مرارا بأن العائلات من المناطق التي استُردت من داعش يجب أن تتمكن من العودة إلى ديارها إذا أرادت ذلك، وهو أمر محق. غير مقبول أن يمنع الجنود السكان تعسفا من العودة إلى منازلهم، في تناقض مباشر مع أوامر الحكومة المركزية بتسهيل العودة الآمنة والطوعية”.

في 2 مايو/أيار 2018، قابلت هيومن رايتس ووتش 3 من سكان “مخيم الخالدية المركزي” للنازحين الذين هم في الأصل من البغدادي، وهي بلدة في محافظة الأنبار على بعد 180 كيلومترا شمال غرب بغداد. قالوا إنهم فروا من البغدادي في أغسطس/آب 2014 بعد أن بدأت قوات مناهضة لداعش بمحاربة مقاتلي التنظيم في البلدة، بالغارات الجوية والذخيرة التي تُطلق من الأرض. استعادت قوات الأمن العراقية البلدة في فبراير/شباط 2015، ومنذ ذلك الحين ظلت المدينة مستقرة نسبيا رغم بعض الهجمات في المنطقة خلال الأشهر الماضية، ولكن لم يعد أحد. تمت مقابلة امرأتين ورجل قالوا إنهم تقدموا من خلال مديري المخيم للحصول على تصريح أمني للعودة إلى ديارهم في أوائل عام 2018، كجزء من مجموعة مكونة من 51 عائلة من البغدادي تعيش في مخيمين في الخالدية.

قال مديرو المخيم إنهم حصلوا على تصريح لعودتهم من قوات الأمن بالمخيم، ومن قيادة عمليات الأنبار وقيادة عمليات الجزيرة المجاورة. حوالي الساعة 3 بعد ظهر أحد الأيام في أواخر فبراير/شباط، صعدت 18 عائلة في 3 حافلات حكومية تابعة لوزارة النقل العراقية بنيّة العودة إلى ديارهم.

قالت امرأة (43 عاما) إن الحافلات وصلت إلى نقطة تفتيش العكوبة عند الساعة 9 مساء تقريبا. أوقفهم جنود من الفرقة السابعة بالجيش وفحصوا بطاقات هويتهم. قالت: “بعد احتجازنا هناك لمدة ساعة ونصف، قالوا إنه لم يُسمح لنا بالعودة إلى منازلنا واضطررنا للعودة إلى المخيم. لم يخبرونا بأسباب المنع”.

قال أحد شيوخ عشيرة ساعدة إنه رغم أن العائلات لديها تصريح، إلا أن قوات قيادة عمليات الجزيرة، التي تسيطر على نقطة التفتيش، اختارت عدم الاعتراف به. قال الشيخ إنه في 21 أبريل/نيسان، أكد قائد قيادة عمليات الجزيرة له أن الجيش لم يكن لديه مشكلة في عودة العائلات إلى ديارها، لكن رئيس بلدية البغدادي كان يضغط عليه لحث قواته على عرقلة العودة.

قال الشيخ أنه عندما التقى مع القائد، وصل المحافظ وأخبر القائد بأن العائلات لا تستطيع العودة لأنها من أنصار داعش. قال إن المحافظ والقائد لم يشيرا إلى مخاوف حول الوضع الأمني ​​في البغدادي.

قالت امرأة ثانية (29 عاما): “إذا منعتني الحكومة من العودة إلى دياري، فهذا يعني أنني لم أعد عراقية، فلو كنت عراقية لكان لدي حق في منزلي”.

قال 3 من سكان البغدادي في معسكر الخالدية المركزي والشيخ لـ هيومن رايتس ووتش إنه في أوائل يونيو/حزيران، إن مجموعة أخرى فيها على الأقل 9 أسر من البغدادي لديها التصاريح الأمنية الضرورية استقلّت الحافلات الحكومية مرة أخرى إلى البغدادي. قال الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إنهم كانوا على اتصال بالعائلات أثناء الرحلة وقالوا إنه في هذه المرة سمح لها بالمرور عبر نقطة تفتيش العكوبة، لكنهم توقفوا عند نقطة تفتيش تديرها الفرقة التاسعة للجيش في البغدادي وأخذوها إلى مخيم آخر للنازحين في الأنبار. بمجرد وصول العائلات، فقد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم الاتصال بهم.

وقال حيدر العكيلي، ممثل اللجنة الاستشارية لرئيس الوزراء، الشهر الجاري في تصريح للمنظمة إن مجموعة من 18 عائلة أعيدت في 27 أبريل/نيسان “لعدم اكتمال التصاريح الأمنية”، لكن في 3 يونيو/حزيران، سمح لـ 11 عائلة بالعودة إلى البغدادي.

في الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش، قال الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إن العائلات كانت تحمل التصاريح الأمنية المطلوبة. يبدو أن هذه الشهادة يؤيدها إرسال باصات وزارة النقل إلى المخيمات لإعادتهم إلى ديارهم.

ورات المنظمة أن رد العكيلي يدل على على أن عائلات البغدادي يتم معاقبتها جماعيا لأن بعض أقاربها كانوا عناصر في داعش. وأكدت أن هذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها السلطات العراقية أن الأسر المرتبطة بعناصر مشتبه بكونهم من داعش لا يمكنها البقاء في مجتمعاتها المحلية، معلِّلة ذلك بضمان أمن العائلات.

منذ عام 2014، نشرت هيومن رايتس ووتش تقارير عن عشرات من الحوادث في مختلف أنحاء العراق، منعت فيها السلطات المحلية العائلات من العودة إلى ديارها. رُبطت جميع التقارير بالادعاءات التي تقول إن العائلات دعمت داعش لأن أقاربها أو مجتمعاتها اتهمت بالعضوية في داعش، الأمر الذي يرتقي إلى عقاب جماعي. يحق للأشخاص المهجرين العودة طواعية وبأمان إلى منازلهم بمجرد توقف سبب نزوحهم.

من المعايير الأساسية في القانون الدولي أن العقوبة يجب أن تفرض على الأشخاص المسؤولين عن الجرائم فقط، بعد محاكمة عادلة لتحديد الذنب الفردي. فرض العقوبات الجماعية على العائلات أو القرى أو المجتمعات لأسباب مرتبطة بالنزاع ينتهك قوانين الحرب ويمثل جريمة حرب. قال عاملون في منظمات للإغاثة يراقبون عمليات العودة في الأنبار لـ هيومن رايتس ووتش إن وضع عائلات البغدادي هو واحد من عدة حوادث مماثلة هناك. في 27 مايو/أيار، بحسب ما قالوا، منعت قوات الأمن وزعماء العشائر أكثر من 50 عائلة من العودة إلى ديارها في بلدات مختلفة في غرب الأنبار، وأرسلتهم إلى مخيمات ليتم تهجيرهم مجددا. وقالوا إن نقص التنسيق في التصاريح الأمنية بين مختلف قيادات العمليات لعبت دورا أساسيا في ذلك، بحسب الزعم.

قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات التسهيل الفوري لعودة العائلات التي تريد العودة إلى مناطق لم تتأثر بالعمليات العسكرية الجارية، بما يشمل العودة من المخيمات. كما يجب أن تسمح للعائلات باختيار البقاء في المخيمات مع عدم تقييد حركتها داخل المخيم وخارجه وعدم تقييد اتصالاتها، أو للسماح لهم بالانتقال إلى مكان آخر.

وقالت هيومن رايتس وتش إنه على “لجان إعادة الـ نازحين” الجديدة في الأنبار، التي أنشئت في أبريل/نيسان، بالإضافة إلى اللجان في المحافظات الأخرى، تسهيل عملية العودة التشاورية، وأن تدعم عائلات البغدادي أمام السلطات المحلية والسلطات في بغداد لتسهيل عودتها.

كما انه على السلطات في بغداد أن تتخذ خطوات شفافة لمعاقبة جميع المسؤولين، بمن فيهم من القوات العسكرية وقوات الأمن العراقية، التي تمنع الناس من العودة إلى ديارهم بصورة غير قانونية، أو كشكل من أشكال العقاب الجماعي، بما يشمل النظر في الاتهامات الجنائية عند الاقتضاء.

قالت فقيه: “إذا كانت الحكومة العراقية جادة بإصرارها على أن غياب الأدلة على الصلات بداعش يعني البراءة بموجب القانون، فعليها إثبات أن أي مسؤول يخرق القانون سيعاقب”.

من د. كمال إبراهيم علاونة

أستاذ العلوم السياسية والإعلام - فلسطين