لو سألنا.. ماذا نُريد؟! سيكون الجواب سريعاً وواضحاً؛ نُريد خدمات، إعمار، تعيينات، وأمن، وتخليصنا من الأزدحامات، وهي ليست بالشيء الإعجازي، بل هي حقوق حقّة، لكن هل ما نريده هو الصحيح في سلّم الأولويات؟!

لم تنهض ماليزيا حتى أتخذّ مهاتيرها خطوتهِ الجريئة بتحويلها؛ من زراعية فقيرة إلى صناعية متنمرّة! ولم يخطو المهاتير هذه الخطوة الشجاعة.. إلا لإنه أمتلك من الشجاعة ضعفها، فقد الغى الڤيتو الملكي و سحبَ منهم الحصانة السيادية ضد المقاضاة.

بين شعب المالايو والصينيون والهنود.. تنقسم النسبة المئوية لسكان ماليزيا، ومعَ إن الفاهِم لطبيعة إختلافاتهم يتوقع حروباً داخلية طاحنة بينهم، إلا أنّ “مصالحتهم الوطنية” كانت أذكى وأعمق من مصالحتنا، وإلا فالشعب الماليزي قبل عام النهضة المهاتيرية ١٩٨١ كان أفقر من الشعب العراقي، ويعيش حالة تخلف شديدة، لكن اللغز يكمن في نوعية الحل!

لا شيء أكبر من القانون.. من يتجرع هذه الحقيقة المرّة!

قوت يوم واحد لعائلة تنتظرك.. يضمن إبتعادك عن العنف، بلحاظ وجود قانون رادع، تفنن مهاتير محمد في إختيار مفرداتهِ ومتابعة تنفيذها، وبينَ تجربة ماليزيا و تجربة العراق في المصالحة المجتمعية، نعرف إن إختيار أسباب النجاح الصحيحة أهم من النجاح نفسه، فشعبنا بحاجة ماسّة إلى طريقة إلهاء دائمة، وهي إما تكون صناعة قمر صناعي عراقي، أو تكون خيمة إعتصام في صحراء الأنبار..

“من جديد.. ماذا لو سؤلنا عن ما نُريد؟!”

“لا يُبنى جسر وهيئة النزاهة فاقدة للنزاهة! ولا تُنشأ مدرسة والقاضي يبحث في أروقة الأحزاب السياسية عن من يسنده، وشرطي المرور معرّض إما للضرب أو الرشوة إن فرضَ غرامة مالية ضدَّ مُخالف!”

“القانون والنظام؛ أهمُ من كل الخدمات؛ لو أن كل وزراء الكهرباء يخشون سوء عاقبتهم، لتحققت نبوءة الشهرستاني وصدرنّا الكهرباء لسنغافورة! ولو إن وزراء التجارة عَرفوا إنهم سيقضون أيام كالعدس في السجون.. لوفروا العدس!”

“سمعتُ يوماً من الأيام في عام ٢٠١٣؛ حادثة إستقالة المأسوف عليه ناصر أحمد الغنّام قائد الفرقة ١٧ في الجيش العراقي، سمعت.. أستقال وسافر مسرعاً إلى القاهرة، تساءلت باستغراب.. لماذا القاهرة تحديداً؟! أجابوني.. لأن عائلته مقيمة هناك!”

“لا يمكن ان يحمينا العسكري إلا وعائلته معنا، في نفس المدينة والمنطقة والشارع..”

“ماذا يعني أن يكون قائداً لفرقة عسكرية مطلوبٌ منه حماية الناس وتوفير الأمن لهم، وهو يؤمن على عائلتهِ في عواصم عربية! ماذا يعني أن نغلق شوارع ضباط الشرطة والجيش ونتوقع في كل يوم مائة سبت دامي!”

“إنهُ النظام يا سادة..! هو القانون الذي يفتقر إليهِ العراق منذُ تأسيس دولتهِ الحديثة، لا قانون عندما يضرب بعثي القانون! لا قانون عندما يدخل حمودي الخضراء مهدداً رجل أعمال! لا قانون عندما يستقيل حسن الياسري و يُقال عدنان الزرفي، لا قانون عندما لا يُعدم المسيء يا سادة!”

“عددوا مشاكل العراق معي؛ وتعالوا لنضاعف العقوبات؛ لو دخلنا عام ٢٠٢٠ بلا كهرباء.. يُعدم وزيرها على أعمدة الكهرباء! لو فشلَ المحافظ بتعبيد الطرق.. نجرّه على شوارع المدينة وليلتهم هو تراباً إدخره ليخلص جسده من حرّ الأسفلت!”

“تشديد العقوبات.. أوجب الواجبات”

“لا تفعلوا كل ذلك..، لا تطالبوا بنظام الإعدامات والسحل الممقوتة، لكن لنبني نظامًا يصادر الأموال أرجوكم، أمنعوهم من السفر أربعة أعوام، ثم لا تقبلوا لهم عذر حتى تحققوا معهم، إن منهج علي (عليه السلام) لا يستقِم إلا بسيفٍ أخاذّ، يطول من الأعناقِ أعلاها، ولو كل زرافة مسؤول ما سقيناها الأمان، لماتت إما مُنجزة أو مذبوحة..”

“هناك فرصة في الأفق.. لو أنّ حزباً سياسياً تبنى تشديد العقوبات أولاً، وتفعيل (من أين لك هذا؟) (داخلياً وحكومياً) ثانياً، و طالبَ بالمنجز المبهر أولاً و أخيراً، لكانت فرصه في ٢٠٢٢ في متناول اليد، فالرأي العام المؤيِد يا سادة لا تخلقهُ عصا موسى، ولا تصنعهُ حِرفية العطّار، ولا يَبثهُ الخارق كونان بالقوة في عقول الناس!”

“مشكلتنا مع المالكي إنه لا يعرف إنه دمرّ العراق!”

“في عامه الثاني والتسعين عادَ المهاتير محمد لرئاسة الوزراء، أنتظروا المالكي في عامه الثاني والتسعين ليبدع مرّةً أخرى في ولايتهِ الحلم!”

من سعيد المرتضي سعدي

باحث الدكتوراه، جامعة شيتاغونغ الحكومية، شيتاغونغ، بنغلاديش مدير، مدرسة الحضارة الإسلامية.