اتخذت القمة الإفريقية التي تنطلق اليوم الأحد بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وتستمر ليومين،شعار “الانتصار في مكافحة الفساد – نهج مستدام لتحويل إفريقيا “، تحديا كبيرا أمام القادة الأفارقة هذا العام.

 

 

فالقارة تفقد نحو 148 مليار دولار سنويا بسبب الفساد وتسريب الأموال بطرق غير مشروعة، ما يمثل 25% من إجمالي الناتج الإفريقي.

وتركزت معظم كلمات المسؤولين الأفارقة، خلال الأيام الماضية منذ انطلاقة الفعاليات والاجتماعات التمهيدية للقمة الاثنين الماضي، حول أهمية هذا الشعار والدور المطلوب في التصدي لقضية الفساد التي توصف بالآفة والتحدي الكبير.

وقال رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي “موسى فكي”، إن الفساد في إفريقيا “يُفقد القارة أموالاً هائلة”، مشددا على أن القمة ستتخذ قرارات “هامة” بشأن الإصلاح ومكافحة الفساد.

وفي كلمة له لدى افتتاح اجتماع لجنة المندوبين الدائمين الاثنين الماضي، أكد
“فكي” على ضرورة مضاعفة الجهود وتوحيد الطاقات لتحقيق شعار 2018، معتبرا أن “وجاهة هذا الخيار بديهية، نظرا لجسامة آفة الفساد في القارة وآثارها المدمرة على التنمية الاقتصادية، والتماسك الاجتماعي والاستقرار السياسي”.

ولم يفت رئيس الاتحاد الإفريقي التأكيد على ضرورة تمكين الشباب ومحاربة الفساد الذي شدد أنه يؤثر سلبا على أمن واستقرار الدول الإفريقية.

الفساد يؤثر على حياة الأفارقة بشكل يومي

وقدم “فكي” مذكرة حول شعار القمة، قال فيها إن الفساد يؤثر على حياة الأفارقة بشكل يومي، ابتداء من الطرق السيئة، وعدم المساواة في الحصول على الرعاية الصحية والأدوية، إلى الجريمة والعنف في المجتمعات الإفريقية وعبر الحدود، وصولا إلى “الخيارات السياسية المشوهة بالأموال والجشع وغيرها من العلل الاجتماعية”.

ولفت الى أنه تم إنجاز الكثير من الأعمال في مكافحة الفساد، وأنه منذ اعتماد اتفاقية الاتحاد الإفريقي لمنع ومكافحة الفساد في 2003، فقد عملت الحكومات والجهات الفاعلة غير الحكومية على رفع الوعي بالآثار المدمرة للفساد على حقوق الإنسان، والحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاجتماعية والاقتصادية.

إلا أن “فكي” نبه أن هناك الكثير مما يمكن القيام به في التصدي للفساد، في إشارة إلى عدم كفاية ما أنجز لوقف طوفان الفساد الهادر.

“الآفة التي تخيم على القارة
تجاوزت الأصوات المنادية بضرورة القضاء على الفساد حدود القارة السمراء، وشددت رئيسة اللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة “فيرا سونغ وي”، على ضرورة محاربة ما اسمتها “الآفة التي تخيم على القارة”.

وكشفت في كلمة لها بافتتاحية أعمال المجلس التنفيذي لوزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الافريقي، أن القارة تفقد سنويا حوالي 148 مليار دولار بسب الفساد وتسريب الأموال بطرق غير مشروعة، وهذا الرقم يمثل 25% من إجمالي الناتج الإفريقي.

الفساد وتأثيرة على التجارة والصناعة 

بدوره، سلط مفوض التجارة والصناعة بمفوضية الاتحاد الإفريقي ” البرت ام موتشنجا”، الضوء على أبعاد الفساد وآثاره المدمرة على الصناعة والتجارة، لافتا في مؤتمر صحفي الخميس، أن التدفق المالي غير المشروع لإفريقيا بلغ 80 مليار دولار أمريكي عام 2017، بزيادة حادة من 50 مليار دولار أمريكي في عام 2012، 70 في المائة منها في مجال الصناعات الاستخراجية أو الموارد المعدنية.

وقال إن منظمة التجارة العالمية نقحت اتفاقية المشتريات الحكومية الرامية الى مكافحة الفساد في عام 2012، قائلا “أى دولة إفريقية عضو في منظمة التجارة العالمية صدقت على الاتفاق”.

ودعا ” موتشنجا”، وسائل الإعلام إلى مناصرة مكافحة الفساد من خلال تعريف المواطنين بالخطوات التي اتخذت لمكافحة الفساد، والعمل على تغيير السلبية وثقافة التسليم بالأمر الواقع وتحويلها إلى صوت قوي ونزيه ضد الفساد.

 دعم قضايا المرأة أمر ضروري  

تقول مشاعر أحمد الأمين، مقررة إدارة شؤون المرأة ومسائل الجنسين بالمفوضية الإفريقية، إننا بحاجة الى التصدي للفساد في القارة الإفريقية وعلى المرأة أن تكون المعول في هذا التصدي باعتبارها أكثر المتأثرين من الفساد .

كلام الأمين جاء، خلال الاجتماع العاشر لإدارة شؤون المرأة ومسائل الجنسين والتنمية، بمفوضية الاتحاد الإفريقي بالعاصمة الإثيوبية ، ضمن الاجتماعات التحضيرية التي تسبق القمة الإفريقية، معتبرة أن دعم قضايا المرأة أمر ضروري لأمن ورفاهية القارة السمراء.

وأوضحت أن الاجتماع التحضيري لإدارة شؤون المرأة لهذا العام يأتي تحت شعار “كسب معركة مكافحة الفساد: مسار مستدام نحو المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في إفريقيا”، مؤكدة أن الشعار “يتماشى مع رؤيتنا الساعية لتمكين المرأة الإفريقية، وإشراكها في جميع القضايا الراهنة، باعتبارها عنصرًا أساسيًا وفاعلًا”.

وتشاركها الرأي “سيديبا فاتوماتا”، رئيسة لجنة الممثلين الدائمين للاتحاد الإفريقي، بقولها إن “تمكين المرأة في إفريقيا مسار مستدام وهام في عملية مكافحة الفساد التي نستهدفها”.

وأوضحت في اجتماع على هامش القمة، الاثنين الماضي، أن مسار تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين مازال طويلًا في إفريقيا، وتجابهه معوقات كثيرة من العادات والتقاليد بالقارة، مؤكدة أن “الفساد في إفريقيا يمثل أبرز التحديات لمشاركة المرأة والشباب باعتبارهما أكبر المتضررين من الفساد والتمييز”.

وقال فليب باكير، سفير كندا لدى إثيوبيا وجيبوتي، وممثلها بالاتحاد الإفريقي، إن بلاده “تتطلع إلى مزيد دعم القارة الإفريقية من خلال جهودها التنموية”.

وأضاف أنّ “التصدي للفساد الذي ينشده الاتحاد الإفريقي في قمة هذا العام، أمر مهم لقضايا المرأة والشباب والمساواة بين الجنسين”.

ولفت أن “جهود معالجة التمييز والمساواة بين الجنسين تصبح غير فاعلة دون مواجهة الفساد باعتباره أكثر تأثيرًا على المرأة والشباب لاعتمادهم على الخدمات أكثر من غيرهم”.

مكافحة الفساد ليس وليد اللحظة

اهتمام القارة السمراء بمكافحة الفساد، ليس وليد اللحظة، حيث تبنت الدول الأعضاء بالاتحاد الإفريقي (55 دولة) عدة أداوت تنظيمية لمكافحة الفساد في إفريقيا، أبرزها اتفاقية الاتحاد الإفريقي حول منع ومكافحة الفساد التي تم تبنيها في “مابوتو” عاصمة موزمبيق، في يوليو/تموز 2003 م ، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ أغسطس/آب 2006 ، وصادقت عليها 38 بلدا إفريقيا .

وتهدف الاتفاقية أن تقوم كل دولة إفريقية بتعزيز وتقوية الآليات الضرورية لمنع الفساد والجرائم المرتبطة به، وكشفها والمعاقبة عليها في القطاعين العام والخاص ، بجانب تعزيز وتنظيم وتسهيل التعامل بين الدول الأطراف لضمان فعالية التدابير والإجراءات الرامية إلى منع الفساد والجرائم المتصلة به في إفريقيا .

ومن مبادئ هذه الاتفاقية ، احترام المبادئ والمؤسسات الديمقراطية والمشاركة الشعبية وسيادة القانون والحكم الرشيد، واحترام حقوق الانسان والشعوب، والشفافية والمساءلة في إدارة الشؤون العامة، وتعزيز العدالة الاجتماعية لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المتوازنة، وإدانة ورفض أفعال الفساد والجرائم ذات الصلة والإفلات من العقاب .

من عبدالهادي راجي المجالي

‏كاتب صحفي أردني