في عام 2005 أقيمت أول انتخابات تعددية شكلية بالاقتراع المباشر منذ انقلاب 1952 لاختيار رئيس متفق عليه مسبقا لمصر تحت ضغط دولي واتهامات للنظام المصري بأنه لا يسير على درب الديمقراطية فاضطر مبارك إلى تعديل المادة 76 من الدستور المصري, والتي على إثرها فتحت الباب لمن تنطبق عليه الشروط أن يرشح نفسه رئيساً للجمهورية.

تقدم نائب مجلس الشعب ورئيس حزب الغد آنذاك المحامى أيمن نور للترشح وفاز بالمركز الثاني، تم اعتقاله وحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات بحجة أنه قام بتزوير توكيلات تأسيس حزبه، لجأ إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي وأفرج عنه في 2009 لأسباب صحية، ثم قبلت محكمة النقض طعنه في 2011 لإعادة محاكمته ورشح نفسه لرئاسة الجمهورية 2012 بعد ثورة يناير.

في عام 2018 أقيمت انتخابات مسلحة لاختيار رئيسا بالتزكية لنفس الجمهورية المصرية، تحت عتاب حنون دولي وتوجيهات بوضع بعض المساحيق على وجه كالح، فتقدم المحامى خالد على المرشح لرئاسة الجمهورية عام 2012 والفائز بالمركز السابع بين ثلاثة عشرة مرشحا.

يتشابه المحاميان نور وعلى في عدة أمور:

أولها،

ميولهما اليسارية، الوسط ليبرالية التي تيسر لهما الحصول على داعمين ومناصرين من جميع التوجهات.

وثانيها،

ظهورهما في وقت حرج ليكونا المخرج الوحيد والأمل الحالم. دعم المهتمون بالسياسة أيمن نور أيام مبارك كأمل يائس في تحريك الماء الراكد بشاب وسط العجائز حتى لو لم يحقق مكسبا، ويعد هذا الدافع هو نفسه الذي يحرك القوى السياسية المنبطحة اليوم لتدفع بخالد على لينافس من لا قبل لهم به على رئاسة الجمهورية.

وثالثها،

ندد الاثنان بالمذابح والاعتقالات التي جناها الانقلاب فأصبحا وجها مقبولا لدى طرفي الثورة.

ورابعها،

أنهما يقفزان من فوق الحديث عن شرعية الرئيس مرسي، التي انتهكت فهما مع ما أسموه “ثورة 30 يونيو”، وفى نظرهما أن ما حدث يومها من انصهار فلول مبارك، مع استدعاء الجيش، فدخول الشرطة ميدان التحرير، ونزول الثوار في سبيكة واحدة يعد أمرًا طبيعيا بل ويعبر عن إرادة الشعب، يؤيدان انتخابات رئاسية في بركة عسكرية ملفوفة بأسلاك شائكة، ويدعوان إلى العودة إلى سجادة يناير التي سحبت بأيديهم من تحت أقدام الثوار.

يؤدى اليوم كل منهما دوره على طريقته، فأيمن نور لم يعد صالحا للترشح لانتخابات رئاسية، ولكنه نحت دورا جديدا له لا يقل تأثيرا، حين تولى رئاسة قناة الشرق المحسوبة زورا على معسكر الشرعية، فما هي إلا قناة معارضة للنظام تحمل وجوها إعلامية أحبها الناس ظهرت من قبل على قنوات ذات خلفية دينية، ومن هنا حصل على جمهور متنوع، وتربة خصبة لنشر توجهاته ووجهات نظره.

أما عن خالد على الذي قاطع انتخابات الإعادة بين الدكتور مرسي والفريق شفيق في الانتخابات الرئاسية عام 2012، وطالب بتشكيل مجلس رئاسي مدني، لأنه يرفض الفاشية الدينية والعسكرية على حد سواء، وقاطع انتخابات رئاسية في عام 2014، وقال أنه يرفض المشاركة في مسرحية يعرف نهايتها مقدما، وصرخ أنه يجب على الجيش أن يحمى الوطن والديمقراطية، وأن يبتعد عن العملية الانتخابية، فقد أعلن عن ترشحه لانتخابات 2018 الرئاسية، ولا أدرى، ما الذي تغير اليوم؟! هل عاد الجيش لثكناته! أم ترى صارت العملية الديمقراطية مدنية؟ أم أن العملية الانتخابية صارت فيلما واقعيا وليس مسرحية هزلية!

قرر خالد على أن يخوض معركة الانتخابات بكل جسارة وحمدا لله أن لم يحبسه حابس كما حدث يوم الأرض الذي خرج فيه الناس للدفاع عن حق مصر في جزيرتي تيران وصنافير بحسب ميعاد اتفق عليه معهم ولم يحضر، ولم يذكر سببا مقنعا لاختفائه. فض خالد على مظاهرات الأرض في بداياتها بكل أناقة لثقة الشباب فيه، فهو يمثل توجهاتهم، وقشة وحيدة يتشبثون بها في بحر مظلم، ونقل قضية وطنية محلها الميادين إلى أروقة المحاكم حيث تجرى مصر وراء قضيتها تريد حلا إلى أن حكم عليها في النهاية بالنشوز.. وبعد هذا الصخب انسحب علي من الانتخابات، فشلاً في جمْع التوكيلات المطلوبة، وهذا أكده علي في بيان انسحابه، أن حملته تعرضت “لتعنت غير مفهوم” من الهيئة الوطنية للانتخابات ورفضت طلب حملته بالحصول على بيانات بعدد التوكيلات التي حررت له، حسب قوله.

يقول جبران خليل جبران:

لا تختر نصف حل،

ولا تقف في منتصف الحقيقة،

لا تحلم نصف حلم،

ولا تتعلق بنصف أمل،

إذا رضيت، فعبّر عن رضاك،

لا تصطنع نصف رضا،

وإذا رفضت،

فعبّر عن رفضك، لأن نصف الرفض قبول،

النصف هو أن تصل وأن لا تصل،

النصف هو أنت،

عندما لا تكون أنت،

لأنك لم تعرف من أنت،

نصف طريق لن يوصلك إلى أي مكان،

ونصف فكرة لن تعطي لك نتيجة،

النصف هو لحظة عجزك وأنت لست بعاجز،

لأنك لست نصف إنسان.

إن المؤيدين لترشح أيمن نور في الماضي، والذين حرروا توكيلات لخالد على اليوم هم من وقفوا في المنتصف، اشتركوا في ثورة يناير ولما أتت بما لم يشتهوا نقضوا الغزل ومهدوا للانقلاب على مكتسبات ثورتهم بأن غيروا المفاهيم وحطموا المبادئ وأكلت قرضتهم كل عهد، رقصوا على السلم فلا طالوا عنب يناير ولا بلح يوليو. هؤلاء يؤكدون أنهم من فرشوا الأرض ورودا للدبابة في يونيو، ويرفضون الاعتراف بأنهم ضلع ضالع في قنابل يوليو العنقودية التي محقت كل معنى لـ”يناير”. نحتوا تمثال الديمقراطية من العجوة وكلما جاعوا أكلوا منه كل يوم قطعة. قبلوا بالعودة لما قبل يناير ولا أن يقبلوا إسلاميا على سدة حكم بلادهم. ولست أعنى هنا اليساريين فقط، بل إن أقاصي اليمينيين كانت ذبحتهم أمضى وأكثر سما.

نعود لنتساءل، لِمَ لَمْ ينتظروا مرور أربع سنوات هي حق الرئيس مرسي الشرعي في الحكم ثم تشجعوا وترشحوا للرئاسة كما خالدا اليوم؟ لِمَ قطعوا الطريق على أول تجربة ديمقراطية حقيقية أفرزتها ثورة يناير؟ أي عقل صحيح هذا الذي قد يصدق ضراغمة اليوم الذين يتوقون للحرية بعد أن باعوا الحقيقة بالوهم؟! يقولون ساعدوه ليقض مضجع الظالمين حتى لو لم يفز فربما تحدث المعجزة من اجل من في المعتقلات والسجون! يذكرني هذا الطرح بصاحبة جرة اللبن التي حلمت طول الطريق ببيع اللبن، فشراء البيض، الذي سيفقس، وتجنى بعدها المال الوفير. إن بيع الوهم لا يصب إلا في صالح فرعون مصر، فكما منحته شرعية إزاحة ثورة يناير وترسيخ مسخ يونيو، وكما يسرت له بيع الجزيرتين دون ضجة تذكر، فاليوم أنت تشرع له تنصيبا جديدا على عرش مصر وتضبط كرسيه بحيث تتعامد شمس الحكم على وجهه كل أربع سنوات؛ ثم من قال أنه سيؤرق الحاكم بأمره، الشعب كله لا يهز شعرة في رأس سيادته، فالانتخابات الرئاسية تدور داخل الأسرة العسكرية المالكة فقط، وكل ما دونها هواء؛ ومن فضلكم لا تتعللوا بمن في السجون والمعتقلات فهؤلاء لهم الله، كيف تجرؤون على استثمار أوجاعهم وهم من فتحوا لكم الطريق لتتحدثوا وقت أن ألجمتكم الدماء حتى الأنوف.

وأخيرا، لا تنساقوا خلف لحن القول، وتذكروا أنكم لستم بعاجزين وإن كنتم الآن لا تستطيعون حراكا. إن ما يفعله أهل المنتصف ما هو إلا استكمالا لمساوماتهم أثناء حكم مرسي أن افعل وإلا انقلبنا، ثم بعد الانقلاب مع الإسلاميين أن عودوا لـ”يناير” وإلا لن نصطف، واليوم أن ادعمونا وإلا لا خلاص من الشرير، هي محاولات مستمرة للوصول للحكم ولو على جثث ودماء، يتنصلون من كل خطأ وخطيئة ويلصقونها بالغير ويصدقهم الناس طالما أنهم بدون لحى.

من أحمد أبو زيد

كاتب صحفي، وباحث في الفكر الإسلامي