لماذا أقدم ترامب على قرار تهويد القدس ونقل السفارة الأمريكية إليها؟.. ولماذا امتلك كل هذه الجرأة في هذا الوقت بالذات على مثل هذا التحدي الذي لم يسبقه إليه من قبل أي رئيس أمريكي سابق ضاربا بعرض الحائط كل القرارات الأممية والمواثيق الدولية المؤكدة على إرجاء مسألة القدس إلي المفاوضات النهائية واستنكارات المجتمع الدولي التي حذرت كثيرا من مغبة تداعيات و خطورة هذا القرار و نتائجه الوخيمة على مستقبل المنطقة؟

فهل هناك تطمينات عربية من قبل بعض الدول المتآمرة على القضية الفلسطينية هي التي كانت وراء هذه الخطوة المجنونة أم أن القضية الفلسطينية هي ليست من اهتمام هذا المعتوه المتطرف؟ 

الأجوبة على كل هذه الأسئلة الخطيرة وغيرها من منظور الكثير من المراقبين للوضع العربي خاصة والدولي عامة تتلخص في التحول الإستراتيجي للسياسات العامة والتوجهات الجديدة لمثلث دول الرعب: مصر والسعودية والإمارات العبرية الذين نفضوا عن أنفسهم رداء الحقيقة وكشفوا لشعوبهم على وجه الخيانة و التواطؤ فكانوا جميعا وراء هذا الوضع العربي المتأزم وهذه الدماء التي تملآ الشوارع تمهيدا لإنجاز ما تم الاتفاق عليه في الغرف المغلقة بصفقة القرن المشئومة. ولعل ما تشهده مصر السفاح منذ الانقلاب العسكري على الشرعية الدستورية الي اليوم بدعم صهيوعربي من قتل وتنكيل وتفريط في الأرض وثروات البلاد وما قامت به كل من السعودية والإمارات العبرية في سوريا وفي العراق واليمن وقطر له أكبر دليل على عملية تمزيق النسيج العربي عن قصد حتى يتشتت الصف العربي وتؤيد كل أمل للوحدة وتزرع في نفوس الشعوب العربية بذور اليأس والإحباط وتحرم الشعوب من مناخات ديمقراطية ومن تنفس أجواء الحرية ثم ترغمهم بعد ذلك على القبول بعملية التطبيع الدافئ مع الكيان الغاصب.

كل هذه المخرجات تصب جميعها في خانة المؤامرة الكبرى للقضية الفلسطينية باعتبارها مصدر قلق لهذه العصابة الصهيونية وهو ما أعطى الضوء الأخضر لزعيم المتطرفين في العالم دولند ترامب بالإقدام على هذه الخطوة وإعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني كما أفادت المعلومات الصهيونية على أن هذه العملية القذرة والمستفزة لمشاعر مسلمي أنحاء العالم لم تتم لولا موافقة العميلين الصهيونيين عبد الفتاح السيسي ومحمد بن سلمان وكما أفصحت عن ذلك منذ أيام قليلة صحيفة واشنطن بوست وكشفت عن المبادرة الجهنمية التي عرضها محمد بن سلمان على رئيس السلطة الفلسطينية كحل نهائيا للقضية الفلسطينية مهددا إياه بقبولها مقابل رشاوي مالية كبيرة وإلا سيتم الاستغناء عنه واستبداله بغيره (وهو دون شك محمد دحلان عراب الانقلابات على الثورات العربية)

وبالرغم من رفض المجتمع الدولي لهذا القرار الخطير سواء داخل دوائر المجلس الأمني أو البرلمانات الدولية أو مختلف التحركات الشعبية في كل دول العالم إلا أن الطرف الأمريكي والدول المساندة لسياسته العنصرية لا يزالون يدافعون بكل قوة عن هذا الخيار البائس ويجندون كل أذرعهم الإعلامية لتشويه المقاومة وشيطنة الحراك الشعبي العربي الداعم لنصرة القدس ومقاطعة إسرائيل وهو ما يؤكد من جديد على إصرار هذا الحلف الصهيوني العربي المضي قدما نحو إخماد كل الأصوات المخالفة وإسقاط القضية من الوعي الشعبي وضرب كل خيارات المقاومة وإفساح المجال لإعطاء من لا يملك لمن لا يستحق.

إن هذا القرار الجائر والذي يعد وعد بلفور الثاني لهو حافز جديد لكل الشعوب العربية المغيبة عن دورها الريادي في تقرير مصيرها حتى تنهض من جديد لإحياء روح الانتفاضة الحقيقية التي تستطيع أن تقف في وجه هذا العدو الغاصب وأن تكسر جدار الصمت أمام أنظمتها الاستبدادية المتواطئة و تفرض على العالم عدالة هذه القضية.

فهل نرى في قادم الأيام نتائج إيجابية لهذا الحراك الثوري سيما وأن الانحياز الأمريكي للصهيونية العالمية أصبح واضحا وضوح الشمس في النهار وأن خيار التفاوض مع هذا العدو الغادر لم يعد يجدي نفعا؟ وهل تقتنع اليوم أيضا السلطة الفلسطينية أن كل اتفاقيات السلام المبرمة مع إسرائيل أصبحت ساقطة ولا معنى لها على أرض الواقع؟

الصمود الشعبي المتواصل و المتنوع بزخم ثوري متطور كفيل جدا بقلب الطاولة على أعداء الأمة وخلط أوراق القضية من جديد لأنه من أوخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ولأن منطق التعامل مع هذا الكيان الغاصب لا يكون إلا بالتضحية والمقاومة على قول الإرهابي نتن ياهو: إنني لا أخشى الأنظمة العربية بقدر ما أخشى كثيرا من شعوبها.

من فاروق الظفيري

داعية و باحث إسلامي - المتحدث الرسمي للحراك السني في العراق