إن تقهقر داعش والقضاء عليه في العراق وان كان بالتزامن مع حكومة العبادي لن يضمن له ولاية ثانية بقدر فرصة القضاء على الفساد وهي الورقة الانتخابية الاوفر، والذي تبدو معركته سهلة من الوهلة الاولى نظريا، الا انها اصعب من معركة داعش عمليا، كون العدو المكشوف بفلسفته التكفيرية وبديهية تشخيصه، تجعل من السهل ايجاده ومواجهته، فحيدر العبادي الذي خرج من الحرب ضدّ تنظيم داعش في هيئة القائد المنتصر، سيكون لزاما عليه خوض حرب ثانية لا تقلّ شراسة وهي الحرب على الفساد، التي قد تضعه في مواجهة اصدقاء له بالعملية السياسية ، ما يزيد الامر ضبابية ويجعل نتائجها غير محسومة ، وقد تشهد تغييرا واضحا في بوصلة العداء الوطني واللتوجهات السياسية .

وتبقى وعود العبادي ضبابية وليست مقنعة للشارع ، كونها جائت متأخرة وقد سبقتها وعود لم تطبق على ارض الواقع المرير الذي جزأ أيديلوجية تفكير المتابع السياسي ، وبعد ان توعد العبادي بشنّ حرب على الفساد تضاهي الحرب الشرسة التي خاضها العراق ضدّ داعش الارهابي، تبدو المقارنة بين الفساد والإرهاب في العراق دقيقة من عدّة نواح من ضمنها صعوبة اجتثاثهما بشكل كامل والآثار المدمّرة للظاهرتين.

وبما ان القضاء على الفساد واختلاس ونهب مليارات الدولارات امام مرأى ومسمع الجميع بات هاجسا يشغل الطبقة البسيطة من العراقيين ، فهم يملكون القدرة في ترجيح كفة الميزان الانتخابي على الكفة الاخرى ، فقد بات هناك التزاما ذاتيا ودلالة التزامية بين مستقبل افضل والقضاء على الفساد .

العبادي بدوره الذي يعتزم خوض غمار الانتخابات المقبلة سوف لن يشفع له الانتصار على داعش دون ضرب الحيتان الفاسدة ، من العلمانيين و اصحاب الجباه الخشنة جراء السجود، والذين تغلغلوا بجميع مفاصل الدولة تحت حماية كبار السياسيين، باسم الدين تارة وحب الوطن اخرى ، لان ذلك هو الحلم الذي بات يراود كل البسطاء والوطنيين من الشعب العراقي ، وهنا تكمن صعوبة الموقف في اجتثاثهم، لذلك لا اتردد ان اقول ان القضاء عليهم اصعب من القضاء على داعش بأسره .

وعلى ما يبدو فان حزب الدعوة بشكل عام يعي فشله مسبقا، لذلك سيتقدم العبادي لخوض الانتخابات بصفة تفوق صفة المنتصر على الارهاب ، وهي (قيادة الحرب على الفساد) ويظل السؤال مطروحا وهو الى اي مدى يستطيع الوصول في حربه على الفساد ؟ وماهي قدرته على تجاوز بعض الرؤوس المتنفذة على القرار السياسي والامني ؟ سيما وان بعضهم ينتمون الى قاعدته، او بالاحرى هو من ينتمي الى قاعدتهم السياسية .

لقد وصل الامر الى التلاعب بارواح الابرياء دون رحمة او انسانية شيئا يسيرا، فمثلا صفقة أجهزة كشف متفجّرات من إحدى الشركات البريطانية ولسنوات عدّة ظلّت فضيحة دون اي اجابة، وتبيّن أنّها مجرّد لعب أطفال وغير معترف بها عسكريا ، تتبعها صفقة السلاح الروسي وغسيل الاموال و شبهات مزاد العملة والمشاريع الوهمية ، التي سميت بالمشاريع المتلكئة، وشبهات المنافذ الحدودية والادوية الفاسدة ، فضلا عن سقوط اراضي شاسعة بيد داعش بليلة وضحاها ولم تتم محاسبة احد، و… كل هذا واكثر هو فرصة العبادي الاخيرة في خوض الانتخابات وكسب ود وثقة الشارع بعد ان افقدها اياهم المالكي ، والذي صار العراق تحت ولايته ضمن أكثر دول العالم فسادا بحسب مؤشرات منظمة الشفافية الدولية الصادرة على مدى السنوات الماضية .

من سعيد المرتضي سعدي

باحث الدكتوراه، جامعة شيتاغونغ الحكومية، شيتاغونغ، بنغلاديش مدير، مدرسة الحضارة الإسلامية.