من أكبر الأخطاء التي وقع فيها النظام السعودي، هي تلك النظرة السلبية التي واجه بها المنتقدين له، بعد التحولات المفاجئة في المملكة، والتي اسْتَهَلَّها بإنشاء هيئة الترفيه، والتي بدورها ابتدرت عملها بالاحتفال الكبير المختلط وسط العاصمة الرياض، ثم الحفل الذي ألغي للفنانة المصرية، حيث صرَّح مصدر مسئول في الهيئة أن سبب الإلغاء كان لعدم حصول الهيئة على ترخيص، لا لأمر آخر.

الغريب من الإخوة في السعودية لماذا انزعجوا كل هذا الانزعاج من ردت فعل المجتمع العربي اتجاه ما حدث من تَغَيُّرَاتٍ في السعودية، فالأصل في التغير لا يكون تغييرا حتى تتغير معه الفكرة أولا، ثم النظرة للنفس وللآخر ثانيا.

فمثلا لما ننتقد بعض الدول العربية على ما يحدث في مسرحها، لا نجد ردت فعل عنيفة من الشعب أو النظام (مصر ولبنان مثلا)، وكان على السعوديين أن يَعُوا هذا جيدا، ويتقبلوه بِعَقلٍ واعٍ وصدر رحب، وأن يكونوا على استعداد للانتقادات الحادة التي ستوجه إليهم، وهذا نظرا لخصوصيات المكان، الروحية والتاريخية.

أما قضية الاحتفالات التي أقيمت أو ستقام، فهذا أمر السعودية ليست بِدْعًا فيه عن بقيت الدولة العربية، فمثلا هذه الحفلات الصاخبة، هل توجد دولة عربية خلت منها؛ أبدا، فمثلا المغرب وإن كانت حكومته تعتبر إسلامية نوعا ما، في كل سنة يقيم مهرجان موازين، وهو مهرجان عالمي، وحال المغرب هو حال تونس، ولا نتكلم عن مصر، والتي من مصادر دخلها القومي السياحة، والمقرونة مباشرة بالحفلات الماجنة، والأمر نفسه بالنسبة للبنان، أما الجزائر فكل الحملات الانتخابية، ومشاريع المرشحين، من رئيس الجمهورية إلى رئيس البلدية، عبارة حفلات رقص وطرب لا غير.

إذن إذا كان من حق الشعوب العربية أن تستمع وتقيم الحفلات، فلماذا حرمتم هذا على السعودية، وهي دولة عربية ولشعبها الحق الكامل أن يحيا الحياة التي يريدها.

-وإن صح لنا أن نوجه نقدا للسعودية، فإن النقد يكون موجها للمؤسسة الدينية في المملكة، هل هي مؤسسة من مؤسسات الدولة، أو مؤسسة مستقلة عن الدولة، وتمثل الناطق الرسمي باسم الإسلام في العالم؛ فإن كانت مؤسسة من مؤسسات الدولة المحلية؛ فلا شأن لأحدٍ بما يحصل في المملكة؛ لأنه شأن داخلي.

أما إن كانت مؤسسة مستقلة، وهذا ما يبدو مبدئيا، وهذا ما جعلها تتدخل في كل القضايا العربية والإسلامية بفتاويها، فمثلا هذه المؤسسة هي من أفتت بضرب العراق في الحرب الأولى والثانية، وقبل هذا هي من أفتى بالجهاد في الأفغان ضد الاتحاد السوفيتي، وهي من أفتى بدعم طالبان لما كانت تحارب الشيعة، وهي من أفتت بحرمة محاربة الأمريكان في الأفغان والعراق، وهي من كان لها موقف في الانتخابات الجزائرية سنة 1991م، ومواقفها من الصوفية وجماعة الإخوان لا تخفى على أصغر طالب علم شرعي، أو مبتدئ في ميدان الصحافة، أي أن صيتها كبير، ودورها عالمي، وهذا لا ينكره أحد، لذلك لمَّا نجد أي حراك سياسي أو ديني يخرج وفي أي دولة كان، فأخوف ما يخاف منه هذا الحراك هو فتاوى السعودية.

ودليل قوة هذه الهيئة أن مؤتمر الشيشان عقد أساسا من أجل سلب هذه الصلاحية من اللجنة الدائمة للإفتاء، والتي تمثل الروح الحقيقية للحركة الوهابية، التي أخرجها المؤتمر عن مذهب أهل السنة.

يتبع

من محمد عبد العاطي

باحث في مقارنة الأديان