من نكد الأحداث أن تنشغل أنت بالعمل العام وبطلب التغيير وبالاجتهاد في أمر الثورة لرفع الظلم عن الناس وتغيير حالهم للأفضل ..فإذا بمن تطلب الحق لهم هم الذين يعادونك ويستخدمون في إيذائك

هل يدرك من شاركوا في دعم الانقلاب أي جرم يقودون البلاد له ..وأي جريمة يرتكبونها بحق أنفسهم وأحفادهم بالوقوف في وجه التغيير للأفضل وتقريرهم مبدأ الاستقواء بالقوة لفرض الأمر الواقع

كل من يتبرم من المظاهرات الحالية أو يبرر القمع والظلم أو يستهزئ بالمتظاهرين ..

كل من يشارك بشكل مباشر وغير مباشر في القمع واستمرار الانقلاب

كل سياسي مراوغ يضحك على نفسه وعلى أتباعه

كل صاحب فكر يؤثر السلامة ويعطي الدنية

كل من ينتمي للدعوة والدعاة يرغب في السلامة الشخصية له ولأصحابه فيبيع دينه بعرض من الدنيا قليل

كل إعلامي يعرف جيدا أنه جزء من منظومة الخداع

كل موظف يسخر وظيفته – صغرت أو كبرت- لترسيخ الانقلاب

كل أستاذ جامعي وعمداء الكليات

كل الضباط وجنودهم

كل صاحب تجارة أو صناعة كبرت أو صغرت

كل صنايعي وصاحب ( فرش) وسائق مركبة و ( تكتك) يتبرم من الحراك الثوري و يراه معطلا لاستقرار هو في ذاته موات وليس استقرارا حقيقيا كل أولئك لهم من الفشل النصيب الأكبر ومن اللوم الشرعي والأخلاقي القدح المعلى

هم حقا الملومون ليس أولئك الطاهرين المتحاملين على أنفسهم والمثابرين من أجل غيرهم

أولئك الكرام الذين يدفعون الثمن غاليا من دمائهم وأموالهم من أجل غيرهم ومساعتهم في استرداد حقوقهم

أما الآخرين فلديهم ولها حقيقيا أحمق في طلب الخوف واستمرار الظلم

تعود غريب على الظلام وخوف أغرب من النور والحق والحرية

اعتياد حياة العبيد والتصفيق للظالم وهم يعلمون يقينا أنه ظالم فاسد

ويقنعون أنفسهم أن هذه طبائع الحياة وأنه ليس بالإمكان أبدع مما كان

ولهذا تجد أدبيات العبودية بادية حتى في ثقافة الغناء والرقص ولحس البيادة لدى هؤلاء حين يبررون الخنوع للظلمة ويقولون أن جسشنا مثلا حالة خاصة في علاقته بدولته

فهل هناك حالات في دول أخرى يختلف فيها جيشنا مثلا عن جيش فرنسا أو النمسا أو الواق الواق

هل هؤلاء مرتزقة مثلا بينما جيشنا هو الجيش الوطني العظيم ..وحده!

نسي أولئك الساجدين للظلمة أن للكون ربنا يختبر ويمتحن فيرضى أو يسخط

ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة أو لقال للأمر كن فيكون

لكنها طبيعة الاختبار وحال الدنيا الحقيقي أن يكون الإنسان في بلاء دائم بالسراء والضراء

ومما يؤسي أن بعضا ممن كنا نظن بهم الخير في الدعوة والديانة فإذا بهم تتشوش رؤيتهم وتضيع معالم إدراكهم للأمور حتى تصير اختياراتهم هي عين اختيارات الجهلة والظلمة والفسدة

فصاروا أبواقا لهم يبررون الظلم للظالمين والفساد للفاسدين

وسبحان مقلب القلوب

ولو حكموا أنفسهم لأدبياتهم لأراحوا واستراحوا

أليس كانوا يقولون : لو أردت أن تعرف مقامك فانظر أين أقامك؟

فأين مقامهم اليوم بين الفاسدين والظالمين والقتلة والخونة؟

كل أولئك غافلون عن أن الثوار إنما يدافعون عن حقوق الجميع وليس عن رغبات ولا عن إرادة الثوار

فلو عقل القوم ما نقوم به من الدفاع عنهم وعن حقوقهم ما رضوا بأن يكونوا عبئا علينا ولساعدونا أو لفرغونا نحن للمهمة من دون أن يشوشوا علينا

أزعم أن ما نقوم به هو في مصلحة الظلمة أنفسهم وحتى البلطجية ورجال الأمن ..أليس الأخذ على يد الظالم نصرة له كما ورد بذلك الشرع المطهر؟

لو استقامت الحياة لحصلوا على حياة نظيفة طاهرة وعيشة كريمة سعوا هم لتأمينها لكن من أبواب الحرام

ومن يطلع على حكم الله تعالى ويفهم مراد الشرع يدرك أن الأرزاق مقسومة مقدرة وأن من يحصل عليها بالحرام يمكنه الحصول عليها بالحلال لو كان يطلب الحلال حقا فالأمور والأرزاق تجري بمقادير

فحين يحصل عليها بالحلال فإنه ينعم بها بينما يشقى بها لو نالها بالحرام

وسبحان الله تعالى

وينطبق الأمر على كل الأحوال البشرية صغرت أم كبرت ..سواء من الصراع الحضاري والمادي الذي يجعلنا دوما في مواجهة مع الشرق أو الغرب لأنهم لا يدركون عظمة ولا سمو ما ندعوهم إليه فيقفون حجر عثرة أمام الإسلام كدعوة أو في مواجهته كنظام سياسي أو اقتصادي ..أو تشويه صورته كعقيدة وسلوك

وقديما واجه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه موقفا مشابها حين أراد أن يسترد أموالا حصل عليها رؤوس قومه من بني أمية دون وجه حق كعطايا وهبات وتسخير لإمكانات الدولة لصالحهم ولصالح تجاراتهم

فأمر باجتماع لهم وصارحهم برغبته في رد تلك الأموال لخزينة الدولة وحفزهم على أن يفعلوا ذلك بشكل طوعي

فرفضوا وأبوا وهددوه بشكل خفي ..

وكان لكل منهم أتباعا (كمثل ما لدى حكام الخليج وأمرائهم أتباع يلقون إليهم بفتات مما لديهم ليكونوا معهم وقت الشدة بينما ينهبون أموالا ين بالمليارات..ويعطون الرضع منهم اموالا منذ ولادته ربما لاتعطى لأكبر الموظف

وها هم في إحدى دول الخليج يصطرعون بشكل خفي ويعدون بعض القابئل من أجل دعمهم في خلافة قائدهم)

المهم دعنا نعود لسياق سيدنا عمر بن عبد العزيز

قال لهم قولته الحكيمة لولا أن تستعينوا علي بمن أطلب الحق لهم لنزعته منكم ..

وأجل الأمر لحين قدرة منه لكنهم عاجلوه ويبدو أنهم دسوا السم له

وهكذا الفسدة في كل زمان ومكان

لقد انتهت حياة عمر وحياة من ناوؤوه ..فهل بقي لهم من تلك الأموال شيئا

لقد سبقتهم عاد وثمود فبنوا وعمروا وتنافسوا وقاتلوا ..فمن يشتري ميراث عاد بدرهمين؟

في نهاية الأمر كل هؤلاء لا يدركون أنهم يقفون ليحجبوا الشمس وهيهات

وكلهم يقفون ليدعموا أنظمة فيها حتفهم وبها شقوتهم

لو خلوا بيننا وبين الظلمة ولم يتخذهم هؤلاء وسيلة لاستمرار الظلم لوقع الظلم ولانتهت دولته

لكن الهداية هي نعمة يمنحها الله تعالى للموفقين

فاللهم اهدنا وخذ بيدنا فإنا ضعفاء فقونا.

من رياض المسيبلي

كاتب يمني، وباحث مهتم بالتاريخ الثقافي