لنفهم جيداً أن صفقة القرن أو مشاريع التعاون بين قوى الشر قاطبةً ما هي إلا أحد مفردات التدافع الأزلي بين الحق والباطل ولن يهدأ هذا التدافع السنني الكوني ما دام الليل والنهار قائماً فصفقة القرن مرحلة من مراحل الصراع تمهد لعاقبة وهي في ذاتها نتيجة لمؤامرات سابقة ترتبط بالعمل الشيطاني المؤسسي حول العالم بأدوات قد تكون صهيونية أو صليبية أو رافضية أو باطنية أو علمانية والغلو والتكفير والتفجير في بلاد المسلمين بمزاعم الإصلاح يعتبر أحد أدوات هذه المنظومة لأنه يساعدها على اختصار طريق هلاك وحريق الأمة واستنزاف الشباب في محارق لا تخدم إلا سدنة مشروع أو صفقة القرن أو خصوم الدين والتدين السني والسلفي الرشيد الذي يستوعب الأمة بشمولية وعي يدرك التنوع لاستثمار طاقات ولا يعيش التآكل الذي يؤسس لبيئة التنازع وعندها الفشل وذهاب الريح.

صفقة القرن وميراث منهج الجاهلية الأولى

ليس من عجب أن تتحدث العلمانية العالمية ووكلائها في المنطقة العربية عن مشاريع الترسيخ للفكر العلماني في عقول وفكر أبناء الأمة منذ المهد إلى اللحد .

ماذا ننتظر من وريثوا منهج الجحود لما أنزل عز وجل من دين أو تشريعات أو تحليل وتحريم وهدي وأخلاق في الاقتصاد وفي الاجتماع وفي السياسة في آن واحد .

إن المجتمع البشري المحارب لهذه الدين والفئة المؤمنة التي آمنت به ليس من العقلانية في شيئ أن نتعجب من تتابع ملل الكفر والبغي حال توارث حقدهم أو رعاية فكرهم كغاية أصيلة لهم عبر عنها القرآن حين قال تعالى: ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا . سورة البقرة

وقال تعالى في سورة مريم مبيناً عن طبيعة التفاعل بين الشياطين ووكلائهم من الكافرين على شتى الملل والنحل التي تخالف الإسلام : {ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا (83) فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا (84)} سورة مريم .

فما كان من مكر سابق عبر التاريخ وما هو كائن من هذا المكر حول العالم بالموحدين وما يمكن أن يكون في المستقبل ما هو إلا دلالة على إظهار كوني لحقيقة العداء بين الباطل والحق ثم بين أهل الباطل وأهل الحق ومن الحكمة الإلهية أن يقع الكافرين تحت سنة الاستدراج والمؤمنين تحت سنة الابتلاء ليكون الواقع وسيلة من وسائل التمييز للقلوب التي تعي السنن الكونية والقلوب التي تغرق في مكر الواقع أو عشوائية الإصلاح له أو عشوائية الرضا بالدونية من الأهداف مقابل وهم الحياة أو أمل البقاء على موائد سدنة المنظومة الغربية المتحكمة في مقاليد الأنظمة بعد تقدير الله الذي يرفع ويخفض يمكن ويستضعف لحكمة وجزاء لسعي ارتبط بأهواء قبل أن يرتبط بالحكمة والوسطية التي جاء بها الإسلام بصفة عامة وأهل السنة والجماعة حملة منهج الجيل الأول بصفة خاصة .

فمن يزعم أو يراهن على أن صفقة القرن عمل جديد في المكر نقول له كلا بل هو عمل وريث لاجتماع فرعون وملأه و مشركي العرب في دار الندوة في مكة لبحث أم الدين الجديد الذي ينادي به محمد صلى الله عليه وسلم . فزعمه باطل محدث فالأمر عتيق أزلي لا ينفك عن الاستمرار في واقع الحياة قبل قرن أو أقل كان مسماها تأسيس عصبة الأمم أو الأمم المتحد وقبلها الاتفاق الودي أو سايكس بيكو ثم وعد بلفور ثم التمكين للخميني ثم تدمير العراق عقب أكذوبة الأسلحة الكيمائية ثم الخلط بين الإسلام والتطرف والتشدد حتى بات البعض من أبناء الأمة ينادي بإعادة توصيف أو توظيف الخطاب الديني ليكون ملائماً وموائماً لسدنة البيت الأبيض والكريملين وشياطين القارة العجوز في روما .

الغلو والتكفير والتفجير وخدمة خصوم الأمة ونسور البيت الأبيض وكلاب الرافضة ودب روسيا الهائج . لسنا من القائلين بأن الغرب كان حملاً وديعاً حتى كان التكفير والتفجير والقتل منهج عند بعض دعاته كلا فالغرب عداءه للإسلام وأهل السنة بصفة خاصة، ودعاة الوسطية بصفة أخص أشدا عداءً وحقداً. ولكن تنامي بعض تيارات العنف والتكفير والتفجير والقتل العشوائي في بلاد المسلمين بصفة خاصة ساعد الغرب على ترسيخ فكرة الربط بين الإسلام والعنف ولذالك تجد الغرب يراهن على إعادة تسكين العنف وكأنه إذا أراد هدم بلد ساعد بعض الشباب على إيجاد ما يعرف بالدولة الإسلامية حتى إذا اجتمع الشباب فيها هدمها فوق رؤوسهم وهدم معها كل معالم التاريخ والحياة وما واقع الموصل والرقة منا ببعيد فهل يعي أبناء الأمة منهجية إدارة الصراع بين الحق والباطل أم يسعى البعض إلى الرهان على العاطفة والحماس فقط . وكأننا لسنا أبناء أمة وتاريخ ومنهج .

لسنا مطالبين أن نكون أحد ثلاث عقول عقل يرسخ البطل جملة وتفصيلاً أو عقل ييأس من الإصلاح جملة وتفصيلاً أو عقل يغالي في سبل الإصلاح ومن ثم تكون العاقبة أشد بؤساً على الفرد والأمة .

بل نسعى أن نكون من أبناء العقل الرابع الذي يدرك عمق الصراع وأزليته ومنهج التدافع معه عقب لزوم هدي الإسلام في التربية والتغيير والمدافعة فمن الإقدام تغيير الأقدام ولو للخلف مرة فربما يأتي بعدها استمرار سير للأمام خير من استمرار الإقدام على مر الزمان ومن ثم ضياع جهود أو استعجال بلاء .

من د. أحمد زايد

أستاذ مشارك في كلِّيتي الشريعة بقطر، وأصول الدين بالأزهر