لم تمض ساعات على مغادرة وزير الخارجية الأمريكي باكستان إلى الهند، حتى صدر تصريحان عن الطرفين يعكسان ربما خفايا المحادثات، تصريح وزير الخارجية الأمريكي كان من الهند العدوة التقليدية للباكستان، حين حذرها من المجموعات الإرهابية التي غدت خطرة على حكومتها نفسها، وهو ما دأبت عليه أميركا لعقود ضد باكستان من أجل إظهارها على أنها دولة فاشلة، أما التصريح الثاني اللافت فكان لوزير الخارجية الباكستاني أصف خواجه الذي قال فيه إن على أمريكا أن تعترف بفشلها في أفغانستان، وشدد على أن بلاده لن تقوم بمحاربة بالوكالة عن أحد…

كان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قد هاجم باكستان قبل شهر تقريباً، وتوجه إلى الهند عملياً لمساعدته في الحرب بأفغانستان، وهي المنطقة التي ترى فيها باكستان منطقة حرملك لها، لا سيما وقد شاركت لعقد ونصف العقد في هذه الحرب مع 38 دولة بقيادة أمريكا فأسقطت حليفها طالبان، ولكنها مع هذا وعلى مدى تلك الفترة ظلت باكستان تمسك العصا من الوسط، واستطاعت أن تقوّي حركة طالبان الأفغانية التي غدت مهدداً حقيقياً للأمريكان، والتي جعلت من أفغانستان أطول حروب أميركا 16 عاماً.

أمريكا تريد من باكستان محاربة طالبان أفغانستان كونها المهدد لها، بينما ترى باكستان أن طالبان أفغانستان تمثل عمقها الاستراتيجي سراً، كونها من البشتون الذين يشكلون نسبة كبيرة من سكان باكستان، والبالغ عددهم بحدود 40 مليون نسمة، بينما باكستان ترى في الإرهاب هو حركة طالبان باكستان التي تراها مدعومة من الهند والحكومة الأفغانية، وكذلك من الخلف ربما أمريكا، بالإضافة إلى المتمردين البلوش الذين ترى فيهم باكستان دمى للهند وأفغانستان ومن خلفهم أمريكا أيضاً.

تواجه باكستان هذا كله بعلاقات وثيقة وتقليدية مع الصين على مدى عقود، وذلك منذ تأسيسها، ولم يحصل للحظة واحدة أن توترت علاقاتهما، واللافت في العلاقات بينهما هي أن المعارضة الباكستانية بكل أطيافها والحكومات المتعاقبة مع الجيش متفقة على تمتين هذه العلاقات، وقد دعمت الصين باكستان وبجميع حروبها وعلى مدى أكثر من نصف قرن، ولذا كانت باكستان بوابة أمريكا إلى الصين يوم حصل الانفتاح في عهد نيكسون.

الصين تمثل حليفاً عسكرياً مهماً لباكستان، إذ إن معظم سلاحها من الصين، وشاركت معها في إقامة مصانع دبابات ومدفعية وحتى طيران، مما جعلها تعتمد على نفسها بشكل كبير في عالم السلاح، وقد بدأ مشروع مهم في السنوات الماضية تمثل في ميناء جوادر على بحر العرب بدعم صيني، وهو ما أزعج دولاً إقليمية خشية من حرب موانئ حقيقية كون الميناء سيؤثر في حال تشغيله على ميناء بندر عباس وجبل علي بالإمارات…

يشكل الميناء أيضاً تهديداً استراتيجياً لأمريكا، كون السفن العسكرية الضخمة الصينية سترسو فيه مما يشكل تحكماً بإمدادات النفط في الخليج، وهو ما يقلق ويزعج الأمريكيين، وضاعف من الخوف والقلق الأمريكيين المعبر الاقتصادي الذي رصدت له الصين حوالي 45 مليار دولار لبنائه، وذلك من سينكيانغ في الصين إلى باكستان وحتى جوادر، وهو ما سينعش المنطقة اقتصادياً باكستانياً، وكذلك مناطق المسلمين في سينكيانغ، بالإضافة إلى أن الميناء سيكون بوابة آسيا الوسطى للبضائع وتنشيط الاقتصاد بشكل عام…

الظاهر أن السياسة الصينية والباكستانية متوافقة إلى حد كبير في أفغانستان وتحديداً فيما يتعلق بطالبان، فالصين تثق بحليفها الباكستاني وقدرته على السيطرة على الوضع في أفغانستان، ولذا فإن الشركات الصينية كان عملها مزدهراً خلال حكم طالبان 1996-2001، وهو الأمر المتوقع في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي وهو ما يقلق واشنطن – نيودلهي.

من د. محمد السعيدي

أكاديمي وفقيه سعودي