أبوبكر أبوالمجد 

العالم المتحضر والنامي على حد سواء بات على حافة هاوية، جرّاء المخططات التي تقودها جماعات إرهابية حول العالم. وتعددت وسائل الإرهاب وتنوعت جرائمه وأشكال وألوان المنفذين لهذه العمليات الإجرامية واللإنسانية حتى شملت الإفريقي والآسيوي والأوروبي والأمريكي دون تفرقة تكاد تذكر، ولا حتى في الدين.

فالأشخاص كما الدول لا تؤمن إلا بالمصالح، وأي شخص في أي بقعة يمكن أن يكون أداة لهذه الجماعات ما اتفقت مصلحته القريبة معهم، ومن هنا تأتي خطورة السطور المقبلة.

من أخطر ألوان الإرهاب التي تؤرق مضاجع زعماء دول العالم الكبرى، هي الخوف من وصول المواد المشعة وأسلحة الدمار الشامل ليد الإرهابيين و الجماعات المتطرفة و التنظيمات غير الشرعية، ولذا فهناك اتصالات ومشاورات وتعاون لا يكاد ينقطع بين أجهزة الاستخبارات العالمية للحيلولة دون ملامسة هذا الكابوس أرض الواقع.

ولكن في مناطق الصراع، يكون من العسير السيطرة الأمنية الكاملة على عمليات هذه التنظيمات أو الجماعات، حيث تكون فرص المناورة لديهم أكثر، ونجاح تهريبهم لهذه المواد النووية أكبر.

وجنوب القوقاز ليس بدعا من مناطق الصراع هذه، وإن انعدام الاستقرار والنزاعات المستمرة به تسمح بإمكانية وصول هذه المواد أو الأسلحة النووية إلى دول أخرى حول العالم خاصة منطقة الشرق الأوسط وأوروبا.

وهنا تتجلى ضرورة الوقوف على دول تسهم بشكل كبير في تهديد أمن القوقاز والعالم كجورجيا وأرمينيا، بوجود مفاعلات نووية على أرضهما خاصة إذا كانت غير آمنة، فضلا عن ضلوع بعض أبنائهما مؤخرًا في تهريب مثل هذه الأسلحة والمواد الخطرة حول العالم.

الأرمن وأمن العالم
في مايو من العام الجاري، أعلنت السلطات الجورجية عن توقيفها لستة أشخاص أثناء محاولتهم تهريب بضعة كيلو جرامات من اليورانيوم، بقيمة 200 مليون دولار، ثلاثة منهم أرمنيين، وقد أصدرت محكمة في تبليسي حكماً بإدانتهم وهم يواجهون حكماً بمدة عشر سنوات في السجن.

هذا يذكرنا بعملية وقعت في 2010، حيث قال شوتا أوتياشفيلي، الخبير السياسي والمتحدث السابق باسم وزارة الداخلية لصحيفة ديلي بيست، في 10 مايو 2016:”لقد ظلت صفقات المواد النووية تتم هنا كل عام، والناس يهرّبون بانتظام المواد المشعة من روسيا عبر جورجيا الى تركيا أو إيران”. كما أشار إلى أنه في عام 2010 ضبطت السلطات الجورجية كميتين كبيرتين من اليورانيوم عالي الخصوبة، أي المخصب بنسبة 89.4 في المئة الذي يمكن استخدامه في إنتاج قنبلة نووية، وقد أقر المهربان، وهما رجل أعمال، وفيزيائي من أرمينيا بالذنب بتهريبهما شحنة اليورانيوم عالي التخصيب بالقطار من يريفان الى تبليسي في عام 2010.

هذه العمليات تبرز دور أرمينيا في عمليات التهريب هذه التي من شأنها تهديد أمن العالم بأسره، فتارة تجد أن عناصر الجريمة من أفرادها أو برعاية رجال أعمال أرمن، أو يكون المنفذ نفسه أرميني تارة أخرى!

ووفقاً للبنك الدولي، فإن نسبة تصل إلى 37% من المواطنين الأرمن يعيشون تحت خط الفقر، وإن منطقة القوقاز تمتلئ بالرجال ممن يرغبون في الحصول على المال بأية طريقة ممكنة، حتى وإن كان ذلك يعني التعرض لعقوبة السجن، وهذا أيضا يجعل من أرمينيا ساحة خصبة وجسر آمن ومطمع دائم لتحصيل التنظيمات غير الشرعية والجماعات الإرهابية لهذه المواد النووية الخطرة.

وكما ذكرنا في مقدمة سطورنا أن الأشخاص كالدول يعبدون المصالح بغض الطرف عن من سيحققها لهم.

فبحسب تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، سجلت أرمينيا رقما قياسيا في الاتجار غير المشروع بالمواد النووية والمشعة الأخرى، وكانت هناك عدة حوادث خطيرة حصلت منذ عام 1999 فصاعدا، وقد وقع عدد كبير من الحوادث المبلغ عنها على حدود أرمينيا مع جورجيا.

كما أظهرت عمليات مراقبة أخيرًا في جنوب القوقاز أن جهودًا كبيرة بذلت لتهريب وبيع اليورانيوم 238، وهو مادة مشعة عالية بشكل غير قانوني.
ومع بداية عام 2016، كانت هناك مجموعات مختلفة تحاول تهريب نظير السيزيوم المشع للغاية، وما يدعو للقلق هو أن معظم الأنشطة تحدث في المناطق غير المستقرة للغاية وغير الخاضعة للرقابة بين أذربيجان وجورجيا وهي تحت سيطرة الانفصاليين، مثل ناغورنو كاراباخ وأوسيتيا الجنوبية، ويمكن لهذه النشاطات أن تزدهر في المنطقة فيما يسمى “البقع العمياء”.

الواقع النووي

بعد أيام فقط من الكشف عن أحدث الأنشطة غير القانونية على الحدود الأرمينية في شهر أبريل عام 2016، صدم رئيس الوزراء الأرميني السابق الرأي العام الدولي بإعلان أن أرمينيا تمتلك في الواقع القدرات النووية وهي ترغب في مواصلة تطويرها، وهذا يشكل تهديدًا خطيرا للاستقرار في منطقة مضطربة بالفعل، كما انها تؤدي أيضا إلى تعميق الأعمال العدائية وانعدام الثقة في الوصول إلى سلام إقليمي.

ووفقا لبعض تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويثير القلق أيضًا، أن بعض المواد النووية التي كانت تحاول أن تجد طريقها إلى أرمينيا من خلال أوسيتيا الجنوبية تعود إلى المنشآت النووية الروسية، وهذا بالطبع لا يدعو للعجب، لأن روسيا هي المورد الرسمي للوقود النووي إلى محطة الطاقة النووية الوحيدة في أرمينيا متسامور، التي تمد أرمينيا بنحو 40 في المائة من حاجاتها للكهرباء.

مفاعل نووي غير آمن

العالم كله يعرف خطر المفاعلات النووية غير الآمنة، وحوادث جزيرة ثري ميل في الولايات المتحدة في 28 مارس 1979، وحادثة “تشرنوبيل” التي وقعت في 26 إبريل 1986، وكارثة فوكوشيما في 11 مارس 2011، أرسلت برسائل مرعبة تلقتها الإنسانية جمعاء، وهذا ما يجعلنا نستكمل مع أرمينيا، وخطر مفاعلها القديم “متسامور” الذي يهدد أمن جنوب القوقاز.

اتخذت قيادة الاتحاد السوفييتي السابق، قرارًا عام 1967م، بتشييد هذا المفاعل، وبدأت أعمال البناء عام 1973م بمدينة متسامور الواقعة على بعد 40 كم عن العاصمة يريفان الأرمنية، وتم تشغيل وحدة الطاقة الأولى للمحطة عام 1976م والوحدة الثانية منها عام 1980م.

وبالرغم من انطلاق أعمال بناء وحدتين ثالثة ورابعة بالمحطة عام 1983م، فإن هذه العملية أوقفت بالكامل عقب حادث محطة تشيرنوبيل الكهروذرية الأوكرانية عام 1986م.

وبعد وقوع زلزال مدمر في مدينة سبيتاك الواقعة على بعد 75 كم عن متسامور عام 1988م، تم وقف نشاط محطة متسامور تماما في 15 يناير عام 1989م أيضا.

ولكن أرمينيا قررت عام 1993م إعادة بناء نشاط محطة متسامور الكهروذرية العتيقة بذريعة الأزمة الشاملة التي عمت البلد، فتم تشغيل الوحدة الثانية من المحطة عام 1995م.

ولخطورة تشغيل هذا المفاعل، عرض الاتحاد الأوروبي على أرمينيا 138 مليون يورو عام 2000م، لغلق هذه المحطة؛ ولكن الحكومة الأرمينية اشتكت من قلة المبلغ وأبدت عدم موافقتها.

وأهم أخطار هذا المفاعل تتلخص في النقاط الآتية:

* محطة متسامور الكهروذرية مزودة بالأجهزة والمعدات العتيقة التي قد عفا عليها الزمن، ما يجعل احتمالية وقوع كارثة كتشيرنوبل وفوكوشيما كبيرة، وتمديد أرمينيا استغلال هذه المحطة للعام 2026، ما يهدد أمن وسلامة شعوب دول كثيرة، حيث تقع المحطة على بعد 120 كم عن حدود أذربيجان وجورجيا و60 كم عن حدود ايران و16 كم عن حدود تركيا مع أرمينيا، وقد يمتد خطر الكارثة حتى روسيا وبلدان آسيا المركزية وبحر الخزر والبحر الأسود إلى جانب تسمم أراضي المناطق المذكورة بنفايات المواد المشعة السامة.
* تقع المحطة الكهروذرية، في منطقة زلازل قوتها قد تبلغ11 درجة ريختر، وهناك 5 خطوط صدع تكتونية تمر حول محطة متسامور يجري واحد منها على بعد مجرد 500 م من المحطة، ويدل زلزال سبيتاك عام 1988م على مدى الخطر.

* يرى الخبراء أن الإجراءات الأمنية في محطة متسامور في المستوى الأدنى للغاية، وما تيسر لجهات معنية أن تخمد الحريق الذي نشب في المحطة في 15 أكتوبر 1982م، إلا بعد بذل قصارى الجهد لمدة 7 ساعات مستمرة.
* تمارس أرمينيا حربًا غير معلنة إضافة للحرب المعلنة ضد أذربيجان، حيث تمتلك الثانية أدلة على دفن الأولى النفايات النووية من محطة متسامور في قلب الأراضي الأذربيجانية المحتلة (تحتل أرمينيا 20% من أراضي أذربيجان)، كما لا تستبعد أذربيجان احتمال إلقاء بعض هذه النفايات النووية في مياه نهري كور وأراز.

وأخيرًا

فإن آخر ما تحتاج إليه الإنسانية وسط هذا الكم من الأشلاء التي تتناثر لحومها في السماء وتسيل دماؤها على الأرض في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، هي كارثة نووية جديدة.
ليس خافيًا على قيادات الاتحاد الأوروبي وأعضاء الأمم المتحدة، أن لدى الطرف الأرميني أطماع توسعية، ورغبة انتقامية خاصة من الدول ذات الأغلبية المسلمة وعلى رأسها أذربيحان وتركيا، ولا بد من وضع حد لهذه الرغبة المتوحشة، وحدود للممارسات غير المسئولة للقيادة الأرمينية.

إن أرمينيا لا تريد المفاعل النووي لأجل توليد الطافة الكهربائية كما تزعم، وإنما لإرهاب دول بعينها، واستغلال هذا المفاعل كورقة ضغط على العالم الحر، من أجل تحقيق مكاسب سياسية رخيصة على حساب شعوب ودول، ونهب أراضيها.
لذلك يجب الضغط على هذه القيادة لأجل أن يكون السلام خيارها الأوحد، ليس بالتصريحات الوردية وإنما بالفعل والقرارات الرسمية؛ لأن أمن العالم سيكون في خطر عظيم حال استمرت هذه اللامبالاة الأرمينية حيال جميع القرارات الدولية.