المسلمون في الهند

تقرير: سمير زعقوق

تناقلت وسائل الإعلام العربية والدولية، على رأسها وكالة رويترز الإخبارية، خبر ارتفاع نسبة المسلمين في الهند، وانخفاض نسبة الهندوس من تعداد السكان للمرة الأولى منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1947 إلى أقل من نسبة «80%» «79.8%»، ما زاد القلق لدى أعضاء الحزب الهندوسي من وراء ذلك.

 

فما طبيعة العلاقة بين المسلمين والهندوس؟ وكيف تبدو نظرة الهندوس إليهم؟ وكم يشكل المسلمون المتواجدون داخل البلاد؟ فضلا عن الوقوف على أبرز التحديات التي تواجهها “الأقلية المسلمة”؟

 

(1)  جذور العلاقة بين المسلمين والهندوس في الهند

 

في معظم دول العالم التي تضم أقليات داخل أراضيها تبرز العديد من المشكلات، في محاولات لتحقيق معادلة «الصراع من أجل البقاء»، فتنتج عنها عواقب دينية وسياسية وحتى اقتصادية، كما جرى خلال القرون الماضية بين المسلمين والهندوس.

 

وترجع الصدامات بين المسلمين والهندوس إلى جذور تاريخية قديمة ارتبطت بدخول الإسلام إلى شبه القارة الهندية، حيث سيطر حينها المسلمون على معظم أجزاء المنطقة ودخل الهندوس في الإسلام حتى شكلوا أقلية مسلمة كبيرة ضمت حوالي ثلث سكان شبه القارة الهندية قبيل استقلال المنطقة عن بريطانيا.

 

وشكل الدخول في الإسلام بداية خيبة أمل وتحد من قبل الهندوس؛ حيث بقي في تلك الفترة المسيحيون في الهند أقلية صغيرة جدًّا مقارنة بالمسلمين، وكذلك الأمر بالنسبة للطائفة “السيخية” التي انشقت عن الهندوسية وشكلت ديانة خاصة جمعت بها بين بعض الأسس الهندوسية والتعاليم الجديدة التي أخذت بعضها من الإسلام.

 

وبالتالي، حكم المسلمون الهند ستة قرون وتشكلت صورة الهند عالميًّا عبر حكامها المسلمين من “الغوريين والخلجيين وآل تغلق والمغول”، الذين لم يتركوا الساحة للاحتلال البريطاني إلا في منتصف القرن التاسع عشر.

 

والجدير ذكره أنه عند تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947 هاجر عدد كبير من المثقفين المسلمين وموظفي الحكومة والأطباء ورجال القانون إلى باكستان، ما أدى إلى حدوث تغيير في البنية الاجتماعية للمسلمين، وتردي أوضاعهم بشتى مضامينها.

 

ذلك العام  شب صراع دموي على”الجغرافية المقدسة” للبلاد، بعد أن أفضى الاستقلال إلى تكوين دولة إسلامية في فضاء جغرافي يسميه القوميون في الهند بـ”التراب الهندوسي المقدس”، حيث قامت باكستان (الغربية آنذاك) في ذات الأرض التي جاءت منها واستقرت فيها قبائل هندوسية.

ولكن، لم تلعب” الأقلية المسلمة” منذ تقسيم الهند عام 1947 أي دور من أدوار جماعات الضغط والمصلحة، وليست لها تنظيمات حزبية أو سياسية فاعلة، فهي منشغلة بأزمة الهوية والمواطنة والدفاع عن نفسها ضد الاتهامات الهندوسية، حتى يومنا هذا.

 

(2)  محددات نظرة بعض الهندوس إلى المسلمين في الهند

 

حالات الصراع والنزاع بينهما لا زالت فصولها مستمرة، ويشكو المسلمون في الهند من تعرضهم لأشكال من التمييز الديني، ووفقـًا للمصادر فإن هناك جملة من الأمور استقاها الهندوس كتبرير في التمييز ضد المسلمين:

 

أن مسلمي الهند لا يتطلعون إلى الهند كوطن لهم بل إلى باكستان، الدولة المتأصلة في العداء للهند، التي يراها الهنود دولة ذات الفكر السياسي المتحجر وأنها تتشكل من مجتمع سكاني يحكمه متطرفون .

تعتبر الهند تحول قرية بأسرها وهي قرية “ميناكشيبورام” ذات الألف نسمة إلى الإسلام عام 1981م، حالة طبيعية لما يفعله المسلمون في الهند مستغلين الدولارات النفطية لتحويل الطبقات الهندوسية الفقيرة عن دينها.

 

يعزوا الهندوس إلى التطور الاقتصادي في بعض ولايات الهند خلال الثمانينات من القرن الماضي إلى التحيز الذي اتبعته الدول العربية السلفية في استقدام العمالة المسلمة “غير الهندوسية”، ما أدى إلى تهديد السلم الاجتماعي في البلاد.

 

يتعاون المسلمون مع المخابرات الباكستانية لتنفيذ أعمال إرهابية على الأراضي الهندية سواء في المدن الكبرى أم من خلال التعاون مع التنظيمات الكشميرية المسلحة التي  تقدرها السلطات الهندية بالعشرات، وفي مقدمتها حركة المجاهدين، وجبهة تحرير كشمير، وحركة الأنصار، وغيرها.

 

ينظر الهندوس إلى المسلمين على أنهم طائفة منشقة تستحق نفس السحق الذي لقيته حركة الانشقاق السيخية في عام 1984م.

 

(3)  نسبة تشكيل المسلمين في الهند من مجموع السكان

 

زاد عدد سكان الهند خلال العقد الأخير 181 مليون نسمة، وهو ما يعادل تقريبًا نصف إجمالي سكان العالم العربي، ويجعل منهم ثالث أكبر كتلة ديموغرافية إسلامية في العالم “بعد إندونيسيا التي تبلغ 240 مليون نسمة وباكستان التي تبلغ 176 مليون نسمة”.

 

إلا أن المسلمين فيها مع ذلك لا يمثلون أكثر من 14% من إجمالي سكان الهند البالغ عددهم 1.17 مليار نسمة وهي نسبة لا تخولهم تجاوز وضعية الأقلية العددية خاصة إذا عرفنا أن هذه الأقلية لم تلعب منذ التقسيم أي دور من أدوار جماعات الضغط والمصلحة.

 

أما اليوم فقد انخفض أعداد  الهندوس في الهند إلى أقل من 80 في المئة من تعداد السكان للمرة الأولى منذ استقلال الهند عن بريطانيا عام 1947م، وأظهر التعداد الأخير حسب وكالة “رويترز” أن عدد الهندوس انخفض إلى 79.8 في المئة من عدد السكان البالغ 1.2 مليار نسمة عام 2011 من 80.5 في المئة منذ عشر سنوات.

 

فيما ارتفع نصيب المسلمين إلى 14.2 في المئة من 13.4 في المئة عام 2001 وكانت الطائفة الدينية الوحيدة التي تشهد زيادة، وبقي المسيحيون عند نسبة 2.3 في المئة، بينما انخفضت أعداد السيخ الى 1.7 في المئة من 1.9 في المئة.

 

والجدير ذكره أن أول تعداد أجري بعد أن قسمت بريطانيا الهند التي كانت تستعمرها إلى دولتي باكستان والهند عام 1947 كان الهندوس يشكلون 84.1 في المئة من السكان، لكن على الرغم من تباطؤ نمو عدد السكان توقعت الأمم المتحدة أن تصبح الهند أكبر دول العالم سكانـًا بحلول عام 2022 وأن تتخطى الصين.

 

(4)  بعض الممارسات التمييزية بحق مسلمي الهند

 

الاضطهاد الديني من خلال اتهام الشباب المسلم بخطف فتيات هندوسيات وإجبارهن على اعتناق الإسلام، وشن حملات على مستوى الولاية ضد الزواج المختلط بين الطوائف وضد اعتناق الهندوس للإسلام.

 

تعبئة الهندوسيين على مقاطعة اقتصادية للمنتجات والخدمات الإسلامية وتوزيع ملصقات ناصعة اللون تحمل علامة OM “والتي ترمز إلى آلهة الهند الكبرى براهاما وفيشنا وشيفا”، على سيارات “الريكشا”، وهي سيارات النقل الشعبي الصغيرة الحجم”.

 

إغلاق المدارس الدينية التي تعمل بشكل مواز للتعليم الهندي و”ترضع” أبناء المسلمين الأفكار الانعزالية وتمثل “مفارخ للإرهابيين”.

 

تبجيل واحترام الرموز الهندوسية الأساسية وفي مقدمتهم الإله”رام” وتبجيلهم كأبطال لحضارة البلد الذي يعيشون فيه، وليس مجرد النظر إليهم كشخصيات دينية هندوسية.

 

الإقرار بأن حكام المسلمين (الغزاة) قاموا خلال الفترة من 1000إلى 1875 بتدمير أعمدة الحضارة الهندية وخاصة المعابد الهندوسية في مختلف أرجاء البلاد.

 

سحب كافة الادعاءات حول الأحقية في خصوصيات دينية مثل الخضوع لقوانين إسلامية خاصة بمجال الأحوال الشخصية أو مطالبة الدولة بمنح مالية لدعم مؤسساتهم التعليمية فضلا عن حظر ذبح الأبقار.

 

(5)  طبيعة تواجد المسلمين داخل الولايات الهندية

 

لا يتركز المسلمون في ولايات بعينها فيمثلون مصادر خطر انفصالية على نحو ما هو موجود في تايلاند أو الفلبين أو روسيا أو أوكرانيا، بل هم منتشرون في كافة أرجاء الولايات الهندية، حيث لا يشكلون الأغلبية سوى في ولاية جامو وكشمير وجزر لاكشدويب.

 

إضافة إلى أن نسبتهم المئوية تتباين  ما بين 1-2 % في ولايات مثل ناجالاند وأرونشتال براديش، و20-22 %  في ولايات مثل غوجرات وكيرلا، بينما يشكلون في المتوسط نحو  10% في أغلب ولايات الهند.

 

بينما تواجدهم على الخارطة السياسية، فيبدو أنه ليس بحوزتهم مطامع سياسية في حكم الهند أو في التنظيمات السياسية داخل المعترك الحزبي المعاصر، بل هم أقرب إلى الانضواء في حزب المؤتمر صاحب منهج القومية العلمانية كبديل لا مفر منه في ظل تهديدات الأحزاب اليمينية الشوفينية وغيرها من الأحزاب المتأرجحة بين اليمين واليسار.

 

 (6) طبيعة الجماعات الإسلامية في الهند

 

تتواجد داخل الهند الجماعات السلفية والوعظية والوسطية، والتي تتنوع أنشطتها بين الدعوي والتعليمي والتثقيفي والطبي والإغاثي، لذلك فإن الحركات الإسلامية الهندية الكبرى يكون لها أفرع محلية في الولايات، كما أن بعض المنظمات الإسلامية تكون منظمات محلية أو إقليمية تنشط في ولاية واحدة فقط أو في عدد من الولايات المتجاورة.

 

الجماعة الإسلامية: التي أسسها الإمام أبو الأعلى المودودي، وهي تدرس الإسلام على طريق ومنهج الإخوان المسلمين في جميع أنحاء العالم، ووجودها فعال، وهي تهتم بمشاكل المسلمين في الهند، وتجميعهم وتوحيد صفوفهم.

 

وللجماعة قبول واسع لدى مسلمي الهند، كما أنها تحظى باحترام السلطات الحاكمة والفصائل العلمانية، وتمتلك العديد من المشاريع الإسلامية والمدارس والجامعات ومراكز تحفيظ القرآن، وتشارك في توجيه القرار في الهند، وتصدر العديد من الصحف والمجلات باللغات المحلية.

 

جماعة التبليغ والدعوة: وهي حركة عالمية لها تواجد في جميع أرجاء العالم وخاصة في الأماكن التي بها تواجد هندي مثل جنوب أفريقيا وبريطانيا، وأسسها الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي عام 1925 ومركزها الرئيسي في دلهي، وهي حركة لا تتدخل في السياسة ولا تتحدث عن الجهاد والحث عليه، وتركز جهدها على دعوة المسلمين إلى الالتزام بالعبادات والأخلاق الإسلامية ولا تنشط بين غير المسلمين، ويتبع جماعة التبليغ ملايين من الأشخاص في الهند.

 

جمعية علماء الهند: التي أنشئت في العشرينيات من القرن الماضي وبدأت كتجمع لعلماء المسلمين، وهي مرتبطة بالجامعة الإسلامية في ديوبند، إذ يهيمن عليها منذ إنشائها حتى الآن العلماء الذين تخرجوا في هذه الجامعة، وعارضت الجمعية استقلال باكستان في حينه.

وتتمتع الجمعية بتأييد كبير في أوساط مسلمي الهند، ويتجلى ذلك في حجم الحضور في المؤتمرات والتجمعات التي تعقدها الجمعية، حيث يصل مستوى ومن تلك الحركات كذلك، مجلس المشاورة الإسلامي لعموم الهند.

 

من د. حاكم المطيري

الأمين العام لمؤتمر الأمة ورئيس حزب الأمة، أستاذ التفسير والحديث - جامعة الكويت